د. خالد محمد باطرفي
ماذا يعني لنا فوز الرئيس دونالد ترامب؟ وهل سيؤثر وصوله لسدة الحكم في الولايات المتحدة في العلاقة مع المملكة العربية السعودية.
واجهني هذا السؤال كثيراً منذ الأربعاء الماضي، وكانت الإجابة هي أن العلاقات مع الولايات المتحدة تقف على ثلاثة مستويات، مصلحية وإستراتيجية وسياسية.
المستوى الأول، يتمثَّل في مصالح متشعبة وقوية عمرها 85 عاماً، منذ توقيع عقد اكتشاف واستخراج النفط مع الشركات الأمريكية. وهذه الشراكة تشمل التعاون في الجوانب العسكرية والأمنية والمالية والتجارية والتعليمية والتنموية بالإضافة إلى النفطية. فالمملكة أكبر سوق للبضائع الأمريكية المتنوعة من السلاح إلى الطيران المدني إلى البضائع الاستهلاكية، والسوق الأمريكية تستوعب مئات مليارات الاستثمارات والمنتجات النفطية والبتروكيمائية. كما أن أجيالا من السعوديين تخرجوا من المدارس والجامعات والأكاديميات العسكرية والأمنية الأمريكية وعادوا ليقودوا نهضة تنموية شاملة، أوصلت البلاد إلى نادي أكبر عشرين اقتصادا في العالم. وهذه الشراكة هي التي أشار إليها الملك عبدالعزيز عندما قال: أن بريطانيا دولة صديقة، وأمريكا دولة شريكة، وفي ميزان مصالح الدول يتقدم الشريك على الصديق.
المستوى الثاني، يتمثل في تقاطع المصالح الإستراتيجية الإقليمية والدولية، وتلاقي الأهداف وتماثل الوسائل. فكلا البلدين يسعيان لتثبيت السلم العالمي والسلام الإقليمي وحماية أمن الممرات المائية الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر ومحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، ودعم التعاون الأممي في مجالات التجارة الحرة وحماية البيئة وحقوق الإنسان، كما يتفق البلدان على ضرورة السعي إلى تحقيق هذه الأهداف السامية من خلال الوسائل السلمية والدفاعية كتوفير الدعم المادي والسياسي للمنظمات الدولية المعنية بهذه الملفات، وتطبيق قرارات مجلس الأمن ومؤسسات التحكيم الدولية.
المستوى الثالث، يتمثل في إدارة الصراعات الإقليمية وإطفاء الحرائق وحل المشكلات الإقليمية، كالقضية الفلسطينية والسورية واليمنية، ومواجهة الاعتداءات والتدخلات الإيرانية وخروقاتها للقرارات الأممية.
ونلاحظ أن الثوابت في المستويين الأول والثاني تكاد تكون خالية من الخلاف وتباين وجهات النظر. أما على المستوى الثالث فالاتفاق على الأطر يتخلله خلافات على الآليات والتفاصيل. ففي القضية الفلسطينية نتفق على حل الدولتين، ولكن نختلف على أسلوب التنفيذ. وفي سوريا نتفق على تطبيق مخرجات جنيف واحد وقرارات مجلس الأمن ووقف العدوان الروسي الإيراني، ونختلف على كيفية دعم المعارضة السورية المعتدلة والتصدي للتعنت الروسي. أما في اليمن فالاتفاق يكاد يكون تاما على تطبيق قرارا مجلس الأمن وخطة كيري للحل.
هذه العلاقات بمستوياتها الثلاثة قد تتعرض لرياح الخلاف حول قضايا كقانون جاستا، والتساهل الأمريكي مع إيران وحلفائها، ومع إسرائيل، إلا أنها تأتي في الإطار الطبيعي للعلاقة بين الشركاء، نتيجة تباين المصالح والرؤية للقضايا وأسلوب حلها.
ولعل الرئيس الأمريكي الجديد يكون أكثر حزما في التعامل مع رعاة الإرهاب وتجار الحروب والفتن في المنطقة، كما وعد. ولعله ينفذ وعيده تجاه إيران ويحد من تجاوزاتها وعبثها بأمن المنطقة والسلم الاجتماعي في بلدانها.
أما المزايدات الانتخابية من قبيل المطالبة بإتاوة مقابل حماية دول المنطقة، فسرعان ما سيتبين له أن الأساطيل والقوات الأمريكية في الخليج والبحر الأحمر موجودة لحماية مصالح أمريكا وممرات النفط والتجارة العالمية وأمن إسرائيل، وجاءت بإرادة وإلحاح أمريكا وليس باستجارة منا. لقد جربنا الساسة المتلونين فلم نربح، فلنجرب القادة الصريحين، لعلنا نكسب.
في كل الأحوال تبقى العلاقات السعودية الأمريكية متينة وعميقة، منذ ثبت أسسها الملك عبدالعزيز والرئيس الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي، مرورا بثلاثة عشر رئيسا وستة ملوك، وصولا إلى عهد الملك السابع سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الخامس والأربعين دونالد ترامب. ولن تتغير هذه الثوابت والإستراتجيات مهما تباعدت بعض المواقف واختلفت بعض السياسات.