د. خالد محمد باطرفي
«التجنيد الإجباري» في كثير من بلدان العالم يوحي بالألم. فخيرة شباب البلد يساقون عنوة إلى معسكرات الجيش ليقضوا فيها سنوات من العمل الشاق في ظروف حياتية قاسية، بعيداً عن أسرهم ومصالحهم.
ولذا فقد ألغي النظام في كثير من الدول بعد الحرب العالمية الثانية ونهاية الحرب الباردة، واكتفي بالجيوش المحترفة، على أساس أن السلم العالمي غلب الحاجة إلى أكثر. وبقي التجنيد على حاله في دول لازالت تعيش تحديات وهواجس أمنية.
والمملكة العربية السعودية لم تلجأ إلى التجنيد الإلزامي منذ تأسيسها وإنشاء الجيش العربي السعودي والحرس الوطني، رغم تحديات عديدة مرت بها، تجاوزتها بحسن التدبر والمعالجات السياسية. إلا أنها تواجه اليوم مخاطر وجودية على جبهات عديدة، لم تعد تجدي معها المقاربات السياسية.
ومع أن القوات المسلحة قامت وتقوم بدورها على خير ما يرام، إلا أن العديد من شبابنا استشعر مسئوليته تجاه وطنه فأنشأ وسما في تويتر بعنوان #التجنيد_الإجباري لقي صدى واسعا بين المستخدمين، لدرجة أن قناة إم بي سي استضافتني في برنامجها «صباح الخير يا عرب» لمناقشة هذه الظاهرة.
كانت ملاحظتي الأولى أن المسمى لا ينطبق على واقع الحال، فشبابنا هم الذين يطلبون الالتحاق بالجيش، بمبادرة منهم لا بإجبار. والثانية أن مسمى «التجنيد» يحصر هذه المشاركة في الذكور فقط، وفي القوات المسلحة وحدها. ولذا اقترحت أن يكون المسمى «خدمة العلم» أو «الخدمة الوطنية»، وأن تفتح الأبواب لجميع المواطنين والمواطنات للمشاركة من سن 17-35 عاماً، وفي كافة التخصصات ومجالات العمل.
تبدأ الخدمة (ومدتها الإجمالية عامان) من التوجيهية وحتى الدراسات العليا، خلال الإجازات، بأنشطة كشفية وتدريبية للشباب وخدمات إنسانية واجتماعية للبنات، مع مراعاة البيئة المناسبة والموافقة للضوابط المرعية، وظروف ذوي الاحتياجات الخاصة.
يفتح الباب للتدريب والعمل المساند في أجهزة المرور والشرطة والدفاع المدني، وفي الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، حسب رغبة وموهبة كل شخص، وطموحاته التعليمية والعملية. ويمنح المشاركون مكافأة تشجيعية مع توفير الاحتياجات اللازمة. ويستفيد من الدورات التدريبية والخبرات والرحلات المتاحة لتنمية معارفه وزيادة رصيد أصدقائه ومعرفته لبلده وتعلقه بها.
بعد التخرج، تُحسب فترات المشاركة، فإن لم تبلغ العامين، يستكملها بعد التخرج. وقد يرغب في التقدم للعمل في نفس الجهة، فيستفيد من خبرته معها، وإلا يبقى في الاحتياطي العام، مع تدريب تنشيطي أسبوعين من كل عام، حتى الأربعين.
معظم سكان المملكة من الشباب، وهذا يعني أن لدينا أكثر من عشرة ملايين مواطن يشكلون موردا هائلا للخدمة الوطنية والدفاع عن بلاد الحرمين. ومشاركتهم سترتقي بهم وبوطنهم ووحدة صفهم. ولذا فإني أتفق مع الذين ناشدوا ولاة أمرنا بالسماح لهم بأداء واجبهم المقدس تجاه الوطن والأمة، وأتمنى أن يتحقق لنا جميعاً شرف المشاركة والتعبير عن الوفاء والولاء لأغلى بلد.