«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
سنة من السنوات وعندما كنت طفلاً صغيراً كنت مع أفراد الأسرة في وادي المياه أعيش فرح ومرح الأطفال ونحن نتراكض بين أزهار البرية فكان عميد الأسرة أيامها عمي أبوحمد - رحمه الله- قد أقام للجميع مخيماً كبيراً زود بكل ما تحتاجه عائلات الأسرة من خدمات.. مضت عقود على هذا المخيم لكن مشاهده خصوصا الزهور البرية المختلفة والتي غطت مساحات شاسعة من الصحراء. مازالت عالقة في ذاكرتي بل إنني وبعدما كبرت. رسمت أكثر من لوحه عن زهور البرية المختلفة..
وأذكر إنني وقبل عدة سنوات سألت أحد زملاء الدراسة والذي بات يعمل بجامعة سعودية معروفة: لماذا لا تهتم الجامعة بدراسة الزهور البرية في الأحساء وغير الأحساء. فهز رأسه ولم يجب على سؤالي الحائر حتى اليوم. رغم انه ترك العمل في الجامعة. وبصراحة يقفز أمامي دائما لماذا جامعاتنا مقصرة جدا في دراسة بيئتنا وما تزخر به من موحيات جديرة بالبحث فيها ودراستها بصورة دقيقة.. وفي التسعينات الهجرية وعندما زار البروفيسور الصيني «يو يو يانغ» الأحساء في مهمة عمل لدراسة إنشاء حدائق صينية في كل من القصيم والأحساء والجنوب.. كنت إلى جواره في رحاب محيط جبل قارة. فجأة انحنى ليلتقط زهرة برية خرجت متحدية الأرض الخشنة، وقال رائع بالانجليزية المشبعة بلكنته الصينية. وراح يقول موجها كلامه للأستاذ «إبراهيم الصويغ» نائب هيئة الري والصرف أيامها -رحمه الله- والذي كان مرافقا له. هذه الزهرة نادرة ومهمة. إن أرضكم حقيقة تملك كنوزا مختلفة.
ومساء أمس كنت أتابع فيلما أمريكيا صورت أحداثه في الصحراء الأمريكية ولكنها كانت أشبه بحديقة غناء. مئات الزهور والشجيرات البرية المتناثرة على بساط رمالها التي اختفت تحت أوراق وزهور هذه النباتات التي كونت سجادة لا حدود لمساحتها ولا عدد لألوانها وأنواعها.. لا تملك لحظتها وأنت تشاهد هذا الجمال إلا أن تردد يا الله.. يا الله.
لحظتها عادت بي الذاكرة إلى زمن الطفولة. ومشاهد المخيم في وادي المياه. والربيع في براري «النعيرية» مدينة الربيع.. كم هو مؤسف إن جامعاتنا وما أكثرها في السنوات الأخيرة لا نقوم بتكوين مجموعات بحثية واستكشافية لدراسة الغطاء النباتي في براري المملكة المختلفة، وبالتحديد إعداد دراسات عن مختلف أنواع الزهور والنباتات في كل منطقة على حدة زوفي مختلف الفصول. فمن غير المعقول ألا تتبنى جامعاتنا أو حتى كلياتنا أو هيئة السياحة والآثار هذه الثروة الثمينة والمتميزة. لقد صرفت جامعاتنا الملايين من الريالات على دراسات وأبحاث. ملفاتها كلها الغبار ولم تكن ذات فائدة أو كما يقال عائدة..؟! ويقدر الباحثون الأمريكيون إن هناك 20 ألف نوع وجنس من الزهور البرية في أمريكا وحدها. ترى لو جاء هؤلاء إلى بلادنا كم يكتشفون من زهور برية. منسية وغير معروفة لاشك سوف يسجلون ويصورون الآلاف من زهور برارينا المختلفة.. زهور في الشمال.. في براري الرس أو الجوف أو صحراء النفوذ أو على جبال ووديان عسير. أو ربوع نجران وجيزان. أو حتى بجوار العقير وسلوى. فسوف تشاهد نباتات وزهور لا أروع ولا أحلى كما تحب وتهوى. نعم سوف تشاهد ذلك وأكثر من ذلك أيام الربيع.. وما أروع الربيع في بلادنا.. ومخيمات براريه.. لكنها قبل وبعد بحاجة للاهتمام والتوثيق. والأرشفة والحفظ. فهل نفعل. آمل ذلك..؟!