د. محمد عبدالله العوين
إن خونة الأوطان أشر عليها من أعداء الأوطان!..
هذه حقيقة مرة أثبتتها التجارب التي مرت بها أمتنا العربية والإسلامية منذ قامت لنا أول دولة عربية إسلامية وبدأت تتمدد وتتوسع في الأمصار المجاورة؛ كالعراق والشام ومصر.
كانت معاول الهدم لأمتنا في عهدي الخليفتين الثالث والرابع عثمان وعلي رضي الله عنهما بيد أولئك الذين استجابوا لعبد الله بن سبأ اليهودي اليمني، ثم أولئك الذين استجابوا أيضاً لدعاة الخوارج وزعاماتهم المتعددة؛ إما عن جهل مطبق بنوايا اليهود السبئيين والخوارج الفارسيين أو علم فقهي ناقص، أو شهوة في السلطة والمكاسب الشخصية.
لم تكن الدولة العربية الإسلامية الأولى في العهد الراشدي ولا في الأموي ولا حتى في العباسي يمكن أن تقع فريسة القلاقل والنزاعات والحروب البينية لولا تدخل العنصر الأجنبي المتخفي وتقنعه بالرداء العربي الإسلامي ثم الاشتغال على هدم بنيان كيان الأمة؛ انتقاماً وثأراً، ودليل ذلك أن المواجهات في تلك العهود المذكورة آنفاً لم تكن إلا بين طوائف الأمة التي انقسمت على نفسها بتأثير الدسائس وانتحال الملل والمذهبيات المقصودة من أجل التفريق والهدم.
واليوم تتكرر قصة سبئية جديدة، ويتناسل خوارج جدد، ويولد علاقمة جدد!.
أما السبئية الصهيونية فشغلها في مراكز صناعة الخطط والأبحاث والدراسات والمؤتمرات وجحافل الإعلام الدولي المسيس.
وأما الخوارج الذين هم دواعش اليوم ومن لف لفهم بمسميات مختلفة كـ»بو حرام» فهم أدوات تنفيذ غبية وساذجة وقطعان مندفعة بعوامل العاطفة أو الجهل أو التهالك النفسي أو هيمنة عقدة التأثيم والرغبة الجاهلة في التكفير باقتراف التكفير نفسه.
وأما الفئة الثالثة -وهم مربط الفرس في هذه المقالة- فهم مطايا وحمير الأعداء، هم العلاقمة الجدد الذين باع أجداهم الأوائل «بغداد» للتتار 656هـ ويكرر أحفادهم اليوم بيع العراق كله والشام كله واليمن كله وكل ما يمكن أن تطأه أقدامهم أو ما يملكون سلطة عليه من أرض أو مال لأسيادهم الذين خدعوهم واشتروا عواطفهم وعقولهم بالأكاذيب والأساطير والخرافات والشعوذات المعممة الغبية.
وما نراه في العراق وسوريا ولبنان واليمن من ارتماء طائفيي هذه الأقطار العربية العزيزة في الحضن «الفارسي» وتسليمهم بلدانهم بصورة مكشوفة أو من وراء حجاب دليل يؤكد تناسخ الخيانة الطائفية للأمة والاستسلام الذليل للأجنبي لغةً وديناً وتاريخاً وحضارة على القيم والمبادئ الدينية الإسلامية والعربية الأصيلة والتاريخ الذاتي لأمة العرب.
ويجهل أو يتجاهل الطائفيون من الشيعة العرب الذين خدعوا أو استسلموا للعاطفية المذهبية أن بين الفرس والعرب قبل الإسلام وبعده من العداء ما بينهم، وهي حقيقة مرة لم نتمناها أو نتفاخر بها أو ندعو لاستمرارها؛ لكنها تاريخ مكتوب، ولم تكن الأمة العربية طوال تاريخها جانية؛ بل كانت المجني عليها من قبل كثير من الأمم قبل الإسلام وبعده؛ أحباشا وفرسا وروما وغيرهم.
لقد أهدى العرب للأمم الأخرى المحيطة بجزيرة العرب أجمل هدية؛ وهو «الإسلام» ونشروا قيمه العظيمة ومبادئه السامية، وحملوا معهم أيضاً تراث وفروسية وشجاعة وكرم ونخوة العرب، وأسسوا مفهوم «الدولة» برؤية جديدة تختلف عن مفهومات الحضارات السابقة، وانفتحوا على كل الحضارات أو بقاياها، وأفادوا من الاختلاط والتزاوج والانصهار مع الشعوب الأخرى؛ فكونوا مزيجا رائعا اسمه الحضارة العربية الإسلامية، فلم يحدث أن ترفع عربي على أعجمي؛ بل إن التاريخ دون بمرارة ظاهرة ترفع الأعجمي الفارسي على العربي بما عرف بمصطلح «الشعوبية» الذي كان سمة من سمات الحياة الاجتماعية في العهد العباسي وصوره الشعر جلياً كما هو عند أبي نواس، أو حتى البحتري المهزوم أمام غلبة العنصر الفارسي على مقاليد الدولة العباسية، وصورته الأدبيات النثرية الجادة عند ابن المقفع وعبدالحميد الكاتب والأدبيات الشعبية كألف ليلة وليلة ونحوها.
نجد الطائفيين الشيعة العرب المهزومين بولائهم للفرس يستنسخون ذلك التاريخ البعيد ويعيدون مظاهر الذل للأجنبي، ويسلمون قياد دولهم ومصائر شعوبهم لدولة وحضارة وثقافة ودين ولغة أجنبية وهم واعون أو جاهلون بمنقلبهم بعد أن تتم حلقات الهيمنة عليهم وعلى غيرهم ممن وضعه الفرس هدفاً مكملاً لإعادة إحياء إمبراطوريتهم المزعومة.
تباد اليوم القبائل العربية السنية في العراق بحجة مطاردة تنظيم «داعش» الإرهابي الذي أسس وكون لهذا الهدف، وتسحق وتدمر مدن سنية فلا يبقى لها أثر، ويهجر الملايين من ديارهم ويطلبون اللجوء غرباء بمعرفين في بغداد أو غير بغداد في المدن الكردية أو يتيهون في الصحاري والقفار أو يهيمون على وجوههم في ديار بني الأصفر إن نجوا من الغرق أو الموت جوعاً.
ونتساءل: كيف لعربي حقيقي أن ينتقم من إخوته العرب ويعمل على تصفيتهم؛ ليسلم وطنه لأجانب، في عملية إحلال وإبدال مكشوفة، حيث يستوطن أفغان وإيرانيون شيعة عديداً من مدن السنة بعد أن دخلوا العراق بحجة الزيارة لـ «المراقد المقدسة».
إنها دعوة لصحوة ضمير كل عربي مخلص لأمته بعيداً عن المذهبية الضيقة؛ أن يصحوا قبل أن تغرس أعلام الفرس في قلب كل عربي.