د. عبدالحق عزوزي
كان المغاربة مؤخرا مع موعد انتخابي يستكملون من خلاله بناء لبنات الدولة المغربية القائمة على أصول لا تحور ولا تبور ويجذرون من خلاله أسس الميثاق السياسي الذي يسم الحياة والطبيعة السياسية للفاعلين داخل المجال السياسي العام. وهي ثاني انتخابات تشريعية بعد الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 وحصل حزب العدالة والتنمية على المرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد، متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة والاستقلال ثالثا ثم التجمع الوطني للأحرار، ثم الحركة الشعبية، ثم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم الاتحاد الدستوري، ثم التقدم والاشتراكية، ثم الحركة الديمقراطية الاجتماعية، ثم فيدرالية اليسار الديمقراطي، ثم حزب الوحدة والديمقراطية وأخيرا حزب اليسار الأخضر المغربي. وإن عرفت بعض الأحزاب التقليدية والتاريخية كحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي نتائج مؤسفة، فإن حزب العدالة والتنمية بقي الفائز الأول كما كان شأنه في انتخابات 2011 مع زيادة في عدد المقاعد التي حصل عليها.
ثم لقد مرت خمس سنوات على مصادقة المغاربة في استفتاء شعبي على وثيقة دستورية، سميتها في حينها مع فقيه القانون الدستوري الأوروبي أندري كابانيس بدستورانية الجيل الرابع في كتاب كتبناه سويا في هذا الموضوع، وهو دستور متطور؛ كما أنه دستور تم التفاوض في شأنه وليس دستورا ممنوحا؛ فاللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، والتي تكلفت بصياغته قبل عرضه على الاستفتاء، عملت في إطار تشاوري وتوافقي مع جميع مكونات الحقل السياسي والنقابي والمجتمع المدني. ولكن هاته الوثيقة هي جزء من المحددات التي تطبع تاريخ المجال السياسي والمجتمعي المغربي. فالمغرب لم يمنع قط التعددية السياسية وذلك منذ أول دستور له سنة 1962. صحيح أنه في بعض الفترات كانت التعددية السياسية تحت المراقبة، ولكن المنع لم يطلها كما وقع في تاريخ الدول المجاورة، بمعنى أن هناك تراكمات وتجربة وخبرة عند مختلف الفاعلين داخل المجال السياسي العام. وهاته التراكمات هي التي أنجحت الميثاق السياسي المغربي في إطار تسوية ذكية تغني البلاد والعباد من ويلات الفتن وسنوات من المجهول واللامسؤولية لأن الإصلاح يأتي من الداخل ويعكس التوازنات الدقيقة للقشرة الحامية للبلد والتي لابد من الحفاظ عليها لتبقى بعض عناصر الميثاق أساسية ودائمة في ترتيبات التحول...
انتخابات يوم 07 أكتوبر شكلت محطة تاريحية أخرى عندما انتخب المغاربة 395 نائبا برلمانيا لولوج مجلس النواب، ولفرز خريطة سياسية تبارى فيها أزيد من 30 حزبا سياسيا، وكان امتحانا نوه به كل المراقبين الدوليين لحيادية الدولة ثم هو تثبيت للنموذج المغربي الذي حمل ولا يزال شعار: «الإصلاح في ظل الاستقرار»...
ولابد من الإشارة هنا إلى أن إن إمارة المومنين عند العاهل المغربي من الثوابت الدينية والمسلمات في المغرب والتي تمنع أي حزب سياسي من التطاول عليها أو المزايدة فيها أو تغييرها باستثمار الرأسمال الديني-السياسي، وهو ما يجعل المجال السياسي العام خاليا من العديد من التناقضات الخطيرة التي نجدها في العديد من الدول المجاورة، وهو الذي يجعلني دائما أطالب من أحزاب مثل حزب العدالة والتنمية أن تتحول في إيديولوجيتيها إلى أحزاب يمينية محافظة، فلا معنى لحزب إسلامي في المجال السياسي العام وبالأحرى في المجال السياسي المغربي.
عندما أعلن وزير الداخلية المغربي عن نتائج الانتخابات لم يُفوِّت، فرصة إعلانه تصدر حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى، ليوجه سهام انتقاده تجاه هذا الحزب معلنا استغرابه من «تشكيك الحزب الفائز طيلة الحملة الانتخابية في إرادة مكونات الأمة، وعلى رأسها الملك».
حزب العدالة والتنمية اشتكى مناضلوه، من «خروقات» قالوا إنها ستشوب العملية الانتخابية، متهمين أعوان السلطة، في غير ما مرة، بـ»التدخل لترجيح الكفة لصالح حزب معين»؛ وهو ما جعل وزير الدخلية المغربي السيد حصاد يؤكد في ليلة إعلانه عن النتائج أن «أم الوزارات» تلتزم الحياد التام، وتحرص على توفير الظروف الملائمة للحفاظ على مصداقية ونزاهة العملية الانتخابية، وبمعنى آخر أن الوزارة لو لم تلتزم الحيادية ما حصل الحزب الفائز على تلكم النتائج.
النضج السياسي الذي وصلت إليه التجربة المغربية، يجب أن يغير من خطاب المظلومية والتشكيك الذي يزرعه البعض في الحقل السياسي وليس ذلك من أخلاقيات السياسة في شيء، وذلك يخالف الواقع المؤسساتي والسياسي، والرغبة الشعبية التي لها الكلمة الفيصل والتي تبلورت بجلاء في هاته الانتخابات حيث رئيس الحكومة يسكون طبقا لمقتضيات الدستور الجديد إلزاما من الحزب المتصدر للانتخابات.