«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
من الظواهر السلبية الكثيرة في مختلف المجتمعات في العالم (ظاهرة الرشوة) وتفشيها، وعلى الأخص في بعض الدول التي تسمى بالعالم الثالث، حيث انتشار الفقر، ووجود طبقات وفئات في هذه المجتمعات مسيطرة على أقدار الناس فيها. فبحكم وضعها المادي وقربها من القيادات الحاكمة في هذه الدولة أو تلك نجد سيطرة الطبقة الغنية والثرية، وحتى من لديه المال بتحكمه في العديد من الفرص الاقتصادية والتجارية وحتى الاجتماعية. فمن لديه المال يستطيع - للأسف - شراء الذمم، والتقرب من كبار المسؤولين هنا وهناك، بل إن بعضهم يستطيع الحصول على الفرص التجارية والاقتصادية وتنفيذ المشاريع من خلال شركاته ومؤسساته التي تتنوع بأسماء مختلفة. وظاهرة الرشوة، وبحكم انتشارها وتفشيها كمرض في مختلف المجتمعات، باتت ظاهرة عالمية، ولو فتحتَ ملفها في كل بلد من هذا العالم الواسع لوجدتَ العجب العجاب، وكيف تسير الأمور في هذا البلد أو تلك الدولة. وهي موجودة ومنتشرة منذ العصور القديمة، وجذورها ضاربة في التاريخ البشري. وكم انهارت دول واختفت قيادات بفضل هذه الظاهرة المرض الفاسد والخبيث. فكم فرصة طارت من بين يد رجل قادر أو موهوب ليحظى بها شخص ما قريب لهذا المسؤول أو ذاك التاجر، وكم تسيد في مواقع مختلفة أشخاص (لا يعرفون كوعهم من بوعهم)؛ كونهم دخلوا هذا الموقع المتقدم بفضل واسطة أو رشوة تأخذ أشكالاً مختلفة. ليست بالمال فقط، وإنما بالقرابة، وحتى بتوصية هاتفية أو عبر مصالح مشتركة.. والمؤلم أنك تجد طغيان وانتشار أبناء مدينة تنتمي للقائد الهمام هي المسيطرة في الصف الأول، وفي مختلف المواقع. وكانت دولة عربية معروفة بتوجهها الثوري قد تحكم في مختلف قياداتها وعبر عقود أبناء محافظة مشهورة. وما يقال عن هذه الدولة يقال عن دول وحكومات أخرى؛ لينتشر المرض، وتتعدد وجوه الظاهرة.. فكيف يصل صاحب حاجة جاء من أقصى بلدة أو قرية وهو لا يعرف أحدًا لينهي له إجراء معاملة، دخلت رواق الدائرة منذ عقود؟!.. والمثير للدهشة وفي مختلف المجتمعات والديانات، وأولها بالطبع الإسلام، جميعها تندد وترفض هذه الظاهرة. فالإسلام يحرِّم الرشوة، ويشدد على كل من اشترك فيها؛ فإن انتشارها وشيوعها في مجتمع ما يعني انتشارًا للفساد. وها هي بلادنا الحريصة على نشر العدل والمساواة ترفض هذا وأكثر من هذا؛ فكانت (هيئة مكافحة الفساد) عين مراقبة ويدًا تضرب بتعليمات الدولة على كل من تسول له نفسهلسير في هذا الطريق الفاسد؛ حتى يطهر مجتمعنا من مرضها الخبيث..؟! وصور الفساد المتولدة عن ظاهرة الرشوة والمحاباة عديدة وكثيرة، تزكم الأنوف، وتدفع بمن يطلع عليها أو يقرأ حتى عنها في وسائل الإعلام أن تتقزز نفسه، بل ربما أُصيب بتوعك نفسي مما تحمله هذه الملفات من حكايات، أضاعت المليارات على الوطن.
لقد شاعت في مختلف المجتمعات في العالم روح المنفعة، لا روج الواجب والجماعة والسواسية وشمولية الفرص..؟! وماذا بعد ظاهرة الرشوة وما فيها من فساد ومرض ينخر كالسوس والنمل الأبيض في جدران الوطن؟ كل وطن لا يضع مسؤولوه مخافة الله وتقواه نصب أعينهم؛ كون هذه الظاهرة المؤسفة تؤثر كثيرًا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تأثيرًا كبيرًا، بل مع مرور الأيام يتنامى وتصبح لديه قوة ومناعة ضد أمصال ولقاحات الفساد. وما أروع أن يشعر المواطن - كل مواطن - بأنه محصن ضد هذه الظاهرة بصورة فاعلة، تبدأ من بيته، ثم مدرسته، وصولاً إلى موقعه وعمله.. فيتكامل وطننا؛ ليصل إلى الصورة المثالية التي تريدها قيادتنا الرشيدة.. فهل نفعل..؟!