سأتحدث اليوم عن حادثة حدثت قبل عدة سنوات، وتحديدا عام 2012م أثناء نهائيات كأس العالم لكرة القدم، حيث ظهرت قصة الأخطبوط (بول) وشاعت أثناء تلك النهائيات بحيث صار الأخطبوط أحد أهم نجومها . القصة انطلقت من ألمانيا وتحدث عنها العالم وهي باختصار تتحدث عن أخطبوط في ألمانيا اعتاد الألمان أخذ تنبؤاته بنتائج مبارياتهم في كأس العالم تلك عن طريق وضع طبقي طعام على كل منهما علم، أحدهما يخص الفريق الألماني والآخر يخص الفريق المنافس، وبمجرد اختيار الأخطبوط للطبق فإن هذا يعني اختياره للفريق الفائز . ورغم عدم لا معقولية الفكرة باعتبارها تفترض الغيب شيئاً تم إنجازه مسبقاً وموجود في (مكان ما) وليس واقعاً يتخلق بشكل مستمر ويؤثّر فيه عدد لا نهائي من العوامل أو العناصر ومنها المصادفة على سبيل المثال بحيث يمكن لأي واحد من هذه العناصر أن يؤثّر في الحدث ويصرفه في اتجاهات مختلفة في أية لحظة. على الرغم من ذلك فقد جاءت جميع تنبؤات الأخطبوط صحيحة إلى حد أن هذه التنبؤات التي نشرت على صدر الصفحات الأولى في ألمانيا كانت مؤثّرة - كما قيل - على لاعبي الفريق الألماني الذين تنبأ الأخطبوط (بول) بهزيمتهم أمام الإسبان.
يصاب الإنسان بالدهشة، وربما الحيرة، أو بهما معاً حين يرى هذا الخبر وصورة الأخطبوط على صدر الصفحات الأولى لبعض الصحف في ألمانيا، وكيف يؤثّر مثل هذا الأمر على مجتمع أوربي يفترض أن تكون الثقافة العلمية والتفكير العقلاني هو السائد فيه، لكن الأمر في الحقيقية يكشف عن (بعدٍ ما) في تكوين العقل البشري، هو حاجة هذا العقل للخرافة لتعيش جنباً إلى جنب مع التفكير المنطقي والعقلاني. وهذا الاحتياج غالباً ما يأتي من رغبة الإنسان وتطلعه لمعرفة المستقبل وما يخبئه الغيب، فالثقافة العلمية والتفكير المنطقي والعقلاني لا تستطيعان أن تقدما إجابات كاملة على كل تساؤلات الإنسان في هذا الجانب . والعلم رغم كل تقدمه في لم يستطع أن يصل إلى وسيلة محددة لمعرفة المستقبل من خلال إدخال معطيات معينة للحصول على نتائج محددة . هذا الأمر لا يمكن أن يحدث ويفترض ألا يحدث، ففي حدوثه كارثة كبرى !! ولنتخيل على سبيل المثال فريقا يخوض نزالا نتيجته محسومة سلفا بهزيمته، كيف يمكن أن ينعكس ذلك عليه أثناء النزال، هذا في حال خوضه النزال أصلا ؟!
ولنمد الفكرة إلى مناطق وموضوعات أبعد من ذلك في الحياة ونرى كيف يمكن أن تؤثر في حياتنا . فالغيب يجب أن يظل غيبا ومجهولا دائماً. لذلك فالعقل البشري مهما تطور و استطاع استخدام العلم وتوظيفه سيظل بحاجة إلى الخرافة لأنها تمس مناطق لم يستطع العقل الاقتراب منها، وليس من المحبذ له الاقتراب.
- محمد الدخيل