حوار - محمد المرزوقي:
من مواليد 1940م بمصر، درس الثانوية الصناعية، ثم الثانوية العامة بالقسم العلمي، كما كان من المتفوقين في (دبلوم تحسين الخطوط) حيث التحق بعد ذلك بجامعة حلوان، ليتخرج من كلية الهندسة والتكنولوجيا، إلا أن الخط ظل رفيق مشواره التعليمي، لكونه عاش في أسرة معظم أفرادها من المهتمين بحسن الخط وتعلم فنونه، ما جعل من طاهر عبدالقادر عمارة، أحد أبرز الخطاطين المشهورين عربيا وعالميا، إذ نال شرف خط «مصحف الفيصل» وخط العملات السعودية المعدني منها والورقي منذ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله- وذلك خلال مسيرته العملية في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
كما شرف عمارة بخط براءات الفائزين بـ«جائزة الملك فيصل العالمية» مستخدما الخط الديواني.. مؤكدا على أهمية ما يحتاجه الخطاط من صفاء ذهن، كأول أدوات الإنجاز، إذ كان يخط صفحة من مصحف الفيصل كل يوم، فيما كان يحتاج إلى ثلاثة أيام لإكمال صفحة واحدة في حال انشغاله الذهني.. حيث التقت «المجلة الثقافية» عمارة في هذا الحوار، بتنسيق وحضور الزميل يوسف العتيق، ومشاركة الكاتب الزميل عادل الدوسري.
* كيف انتهى بك المسار العلمي منذ المرحلة الثانوية ورغم تخصصك الجامعي إلى التخرج خطاطا ؟
- لقد كان الخط الأقوى تأثيرا في حياتي دون منازع، فلم أعمل بعد حصولي على الثانوية الصناعية، كموظف فني، ولا بالثانوية العامة العلمي، التي كانت - أيضا – تؤهلني لأعمال فنية شتى، كما أني لم أبحث عن وظيفة بعد تخرجي في مجال الهندسة والتكنولوجيا، نتيجة لسيطرة الخط على أفكاري، وميولي رغما عن تخصصي العلمي.
* متى بدأت الالتحاق بمركز الملك فيصل؟ وما أبرز ما تدخره خلال عملك بالمركز؟
قدمت إلى المملكة منذ عام 1403هـ أي ما يربو من أربعة وثلاثين عاما، عملت خلالها الكثير من الأعمال، التي لي فيها الكثير من البصمات، إلا أنه ومع ذلك وخلال أكثر من ثلاثة عقود، لا أجد ما يضاهي - إطلاقا – تنفيذي لـ»مصحف الفيصل» أما العمل الآخر الذي أعتز به وسأظل بعد هذا المصحف، هو كتابة «العملة» السعودية المعدني منها والورقي.
* حدثنا - بإيجاز- عن ترشيحك لخط العملة السعودية.
- تم ترشيحي من بين مجموعة من الخطاطين خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – إذ تم ترشيحي قبل فترة الاحتفال بـ«المئوية» للملكة، وخلال فترة التفكير في إصدار عملات جديدة، منها ما كان تذكاريا خلال تلك الفترة، التي صدر منها عملتا (العشرون، المئتان) حيث كنت أذهب إلى مؤسسة النقد السعودي، خلال تكليفي بعد ذلك بخط عملة المملكة، وقد شرفت بكتابة العملة السعودية لأربع إصدارات.
* ماذا عن متابعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – لخط العملة السعودية؟
- كان لمتابعة الملك سلمان، دور كبير وهام في خروج خط عملة المملكة بما هي عليه الآن، عندما كان حينها أميرا لمنطقة الرياض، حيث كان يتابع ما أقوم به من خلال المسؤولين في مؤسسة النقد السعودي، فقد كان له العديد من الآراء ووجهات النظر النوعية في طريقة توزيع الخط وإعادة رسم بعض الحروف كالتاء المربوطة - على سبيل المثال لا الحصر - المتكررة في عبارة (المملكة العربية السعودية) ما لفت نظري إلى ما لا أتنبّه إليه كخطاط، إذ كانت طريقة تنفيذي لكل تاء منها بخط مختلف لتظهر من حيث وجهة نظري العبارة أكثر تنوعا، إلا أن رأيه - حفظه الله – بتوحيد كتابتها برسم واحد كان عين الصواب، والأكثر جمالا ومنطقا - أيضا – لي جانب من العديد من الملاحظات التي أسهمت تراكميا في خروج خط العملة السعودية بشكلها الحالي.
* لم تم اختيار خط (الثلث) للعملتين المعدنية والورقية من بين أنواع الخط الأخرى؟
- يعتبر خط الثلث الخط الأجمل، والأسهل للقراءة، رغم أنه الأكثر صعوبة في طريقة رسمه، إذ يحتاج إلى خطاط متمرس، وذو تجربة عميقة بقواعد رسمه، إذ هو خط حروفه متراكبة بطريقة جمالية مردها قواعد هذا النوع من الخط، ولما يضيفه تداخل حروف الثلث من إضافات تزيد من جماله، ما يجعل هذا الخط محتاجا إلى دقة متناهية في رسم الحروف، ومن ثم رسمها مع بعضها البعض في تداخل جمالي متقن، وخاصة إذا ما تم كتابته على عملة، لما للعملة من قيمة نوعية ورمزية - أيضا – باعتبار العملة نافذة تطل من خلالها الشعوب بعضها على بعض عبر تداولها.
* كيف جاءت فكرة (مصحف الفيصل) وما سبب اختيارك لكتابته على ورق البردي؟
- بعد عشرين عاما من قدومي إلى المملكة، راودتني فكرة أن أقدم عملا أتوج به أعمالي المختلفة، من خط في لوحات، وما قمت به من خط لأغلفة مطبوعات المركز، إذ خطر في ذهني عمل مصحف على ورق البردي، ر غم إيماني بأنه مشروع مكلف في الجهد والوقت، وخاصة على هذا النوع من الورق، فقد استغرقت الخمس صفحات الأولى خطا وزخرفة وتذهيبا سنة كاملة، أما الثلاث التالية لها فقد استغرق كل منها شهرين،حيث استغرق أربع سنوات وأربعة أشهر، بعد أن كانت البداية بتنفيذ الملزمة الأولى، التي تم عرضها على صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الرئيس التنفيذي لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، الذي أعجب بالعمل، وحثني بشدة على إكمال كتابة المصحف.
أما سبب اختياري لورق البردي، فاستطيع أن أصف نفسي بأني خبير برديات، منذ دراستي له، وإتقاني لعمليات إنتاجه - منذ عقود – ولطريقة قصه وتجفيفه وأساليب توليفه في أوراق، من خلال قص الشرائح المطلوبة لتكوين مقاس معين، ومن ثم إدراكي لحاجة هذا النوع من الورق إلى خطاط صاحب مراس على الكتابة عليه، لكونه يحتاج إلى قدرات خاصة، نظرا لما يتميز به البردي من خشونة، فرغم أنه يقبل مع ذلك جميع الأحبار المختلفة، إلا أنه من الصعوبة تعديل أي خطأ إلا عن طريق قص الورق نفسه، وتركيب جزء جديد، ما يحتاج إلى خبرة دقيقة، تجعل القارئ لا يكتشف وجود قص في الورق .
* هل يعتبر هذا المصحف الوحيد في عربيا وعالميا، وما مواصفات تنفيذه؟
- نعم هو المصحف الوحيد المكتوب على ورق البردي بهذا الحجم، وبهذه الطريقة التي تحاكي المصحف المدني، ويتكون المصحف من (604) صفحة، تم تنفيذها على شكل ملازم، ليسهل بعد ذلك تجليده، حيث بلغ مجموع الملازم (52) ملزمة، ضم كل منها (15) صفحة، وفي كل صفحة (15) سطرا، ويبلغ مقاس الورق (1م X 70 سم) ما جعل حجم المصحف كبيرا جدا، وقد كتبت عناوين السور، بخط الثلث، أما الآيات فبخط النسخ، لكونه سهل القراءة وخاصة لغير العرب، إضافة إلى تنفيذ (مصحف الفيصل) على غرار آخر طبعة لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، بما في ذلك الزخرفة الخاصة بالخمس الصفحات الأولى، وزخرفات مسميات سور المصحف، والحرص على تشكيل الحروف بالطريقة نفسها.
* في ظل هيمنة التقنية في على تقديم الخطوط الجاهزة، فما الرسالة التي نوجهها إلى الخطاطين؟
- هذه مشكلة كبرى، وذات آثار سلبية، لمست معها المعاناة، وحجم اندثار حرفة الخط لدى أبناء الأمة العربية، الذين أوصي الموهوبين منهم بتعلم حرفة الخط كمهنة، إذ لا أجد خطا في الآلة يصلح منها سوى الخط الخاص بمحتويات الكتب، الذي يمثل خط النسخ، لكون بقية أنواع الخطوط الحاسوبية ليست من ضمن أنواع الخطوط الخمسة الرئيسة التي يرسمها الخطاط العربي بالبوصة أو بالقلم، لكونها خطوط لا تتفق في طريقتها المبرمجة مع الطريقة الأصيلة لنوع الخط، وقواعد رسم حروفه.