تكتسي المملكة العربية السعودية حُلَل المجد والعزّ، وتفاخر بها كل عام، وتستعيد في يومها الوطني ذكرى باعث مجدها وباني نهضتها وصانع تاريخها، المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه -، الذي تحلّى بالعزيمة والإرادة، واتّسم بالعقلانية وبعد النظر، ومعرفة كُنه الواقع وملابساته، مع تحديد الأهداف والغايات التي كانت بادية له كالشمس في وضح النهار، فعجّل الخطى نحوها متجاوزاً عثرات البراري ومُكَدِّرات الفضاء، حتى بلغ مراده مؤيداً بعون الله تعالى ثم بالمخلصين الشرفاء، فإذا بها دولة فتيّة في مطلع أمرها، تظلل بجناحيها ربوعا وأنحاء واسعة، وتزخر بمكنون خيراتها، وقدرات أهلها، وتتوحد مفاصلها وأجزاؤها تحت علم المملكة العربية السعودية، وفي ظل قيادة فارس الجزيرة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، ولم تزل في ازدهار ونماء حتى غدت والحمد الله حاضرة مرموقة، ودُرّة في جبين الدول، في ظاهرة جدّ نادرة، ولكنها تستند إلى حقيقة تاريخية لا تكاد تنخرم: الأبطال هم صناع المجد، والمجد يتطلب التضحيات، ومن عَرَف مراده، وأخذ بالأسباب؛ حقّق مقاصده بعد توفيق الله.
وفي هذه الآونة يأتي اليوم الوطني مزهواً بالماضي والحاضر:
الماضي الذي يحوي بين طياته عبقا تاريخيا مجيداً خطه الإخلاص والصبر والجَلد، ورسمته مسيرة المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله وصحبه الأوفياء.
والحاضر الذي جاء متسقاً مع تلك المسيرة المظفرة، وثمرة بدهية للقيادة الحكيمة التي امتاز بها أنجاله الملوك من بعده وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، حيث الحاضر المزدهر، والواقع الزاخر بألوان المعرفة والمدنية والإنسانية. فمؤسسات التعليم، والعالية منها على وجه الخصوص معالم حضارية تزدان بها كل مدن بلادنا العزيزة ومحافظاتها، بل فاضت خيراتها، فاستقى من معينها القاصي والداني، وتفيأ ظلالها واستطاب ثمارها الصغير والكبير، وما ذاك إلا تجسيداً للقيادة الحصيفة، الرامية إلى بناء الإنسان العالِم، والمجتمع الواعي، والدولة المعرفية، مستشعرة بذلك قيمة الإنسان والوطن، وساعية إلى النهوض به، والارتقاء به إلى مصاف الأمم المتقدمة، ومعتزة بقدرات المواطن وإمكاناته وولائه الصادق لوطنه وقيادته.
لقد أعطت حكومتنا الرشيدة وفقها الله للعِلْم عناية فائقة، واهتماماً عالياً بمؤسساته ومراكزه، ومنحته زخماً كبيراً، حتى اصطبغ المجتمع به، وصار هو الأساس الذي اختط منه سلمان الخير وفقه الله معالم مسيرة العزم والحزم في شتى جوانبها السياسية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وغيرها، وعلى رأس ذلك الرؤية السعودية 2030 والتحول الوطني 2020 اللتان انطلقتا من أحضان العلم والمعرفة، ومن ثم أمكنهما التعامل مع الواقع بمعطياته وتقلباته، ولِتُحوِّلا ذلك كله إلى عناصر إيجابية في الحراك الوطني ومسيرة النهضة، تلك الرؤية السعودية التي أطلقها ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله، وانطوت على نقلات نوعية، منطلقة من توجهات إصلاحية مدروسة بعناية ودقة، ومستندة - بعد توفيق الله - إلى نقاط القوة الثلاث: العمق العربي والإسلامي، والقوة الاستثمارية، والموقع الجغرافي. والتي من شأنها أن تؤمن مدخولاً مالياً عالياً، يوازي واردات النفط. وجاءت حيثياتها ومفرداتها لتعد الإنسان السعودي بتطور حضاري متنامٍ، يدعمه دخل مالي متزايد نابع من خطط شمولية واعدة، تضيف إلى مكونات الدخل الوطني عناصر جديدة كالسياحة، واستغلال الآثار.. وغيرها. ولا شك بأن تنامي الموارد، وازدياد الدخل الوطني ستكون له آثار إيجابية على المواطن السعودي، وعلى استمرار النهضة والتقدم الذي اتسمت به مسيرة المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وصولاً إلى هذا العهد الزاهر، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، النهضة التي تتعزز وتقوى بالنزاهة والمصداقية، وتجعل الشفافية والتوجيه السليم لموارد الدولة مبادئ مطبقة عملياً.
إن اليوم الوطني شعلة وضاءة، تلقي بأنوارها على أجمل ما في الماضي، وتقف بنا على أفضل ما في الحاضر من قِيم ومبادئ، وتدفع بنا للتمسك بما تَحَقَّق لنا من مكتسبات، وبخاصة اللحمة الوطنية، والانتماء الوطني، والولاء لقيادتنا الرشيدة، إضافة إلى هذا الكيان المهيب الذي لم يزل والحمد الله يعتلي مراقي التطور والازدهار والشموخ في الحضارة والمدنية. لذا يحق لنا أن نُديم الاعتزاز ببلادنا المباركة، وبيومها الوطني، متذكرين جهود مؤسسها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، والمواقف الرجولية له ولجميع المخلصين الكرام من أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء، سائلاً المولى جلّ وعلا أن يديم عِزّ بلادنا وأمنها واستقرارها، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو ولي ولي العهد الذين أرفع لهم ولكافة أبناء الأسرة المالكة أسمى التهاني والتبريكات بمناسبة اليوم الوطني الأغر، راجياً الله تعالى لهم ولوطننا العزيز دوام الرفعة والشموخ. والله الموفق.
د. عبدالرحمن بن محمد العاصمي - مدير جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز