الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
في ظلّ المتغيّرات المعاصرة، ومن خلال الواقع المعاش يلحظ المرء أنّ هناك مرحلة جديدة يعد لها المتربّصون شراً بروح الإسلام من قوى الاستكبار العالمي وصنّاع التواطؤ الغربي لصياغة إسلام يرضخ لقيم الغرب بشكلٍ مهين.
ولا شك أنّ هذه المخططات أُعد لها منذ فترة طويلة ولكن ظهورها بدأ يزداد وضوحاً.
وأمام هذه الهجمات المتتالية ما هو الواجب على أمة الإسلام حيال ما يحاك ضدّها لإيجاد إسلام جديد يناسب مفاهيمهم ورؤاهم.
«الجزيرة» طرحت على عدد من الخبراء في العمل الإسلامي من ذوي الاختصاص المعنيين بالدراسات الشرعية والاجتماعية ليتحدّثوا عن تلك القضية المهمّة.. فماذا قالوا؟!
مسلسل الاستهداف
بدايةً يؤكّد الدكتور علي بن فايز الجحني وكيل جامعة نايف العربية للشؤون الأكاديمية أن الأمة تتعرض إلى هجمة شرسة واستهداف واسع النطاق، تجسّد هذا الاستهداف في توطين أعداء الأمة في بعض الأقطار العربية وتنفيذ أجندتهم بمساعدة أطراف كثيرة، ثم ما أقدمت عليه الجماعات والتنظيمات الإرهابية من عمليات إرهابية للنيْل من أمن واستقرار الكثير من الدول المؤثرة في العالم العربي والإسلامي، وهذا يأتي ضمن مسلسل الاستهداف، على الرغم من أن تلك الفئات الضالة إنما تتحرك ضد نفسها ودينها.
وتأسيساً على ما سبق، فإنه من المفيد التمييز بين التحديات الداخلية للأمة، والتحديات الخارجية، والتحديات المشتركة بين الداخل والخارج، فمن التحديات الخارجية للأمة: التحدي السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي الذي يتمحور حول محاولة فرض السيطرة والهيمنة من بعض القوى والجهات المعادية، وكسب النفوذ لحاجة في نفس يعقوب، لما يتمتع به الوطن العربي من أهمية إستراتيجية على كل المستويات.
إن استمرارية فرض التوتر العسكري على المنطقة، وإثارة الحروب، والفتن، وتأجيج الصراعات وتفاقم الطائفية والنزاعات المسلحة بقيادة إيران الصفوية أزمات حقيقية عانت منها دول المنطقة وما زالت تعاني.
أما التحديات الداخلية للأمة فهي متنوعة منها: الإرهاب، والبطالة، واستنزاف الطاقات في صراعات بينية والتطرف والمخدرات، والخلل في التركيبة السكانية في بعض دول مجلس التعاون، وتأجيج الخلافات المذهبية والطائفية وغيرها مما يستدعي ودون إبطاء إلى حلول ناجحة، وأمام التحديات والمؤثرات الخارجية والداخلية لا بد من إستراتيجية شاملة تتجسّد في دور قوي وفعَّال لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية ومجلس التعاون يتمحور في تنشيط التعاون والتكامل، وتقوية الإعلام العربي بما فيه الخليجي لمعالجة مرض الضمير العالمي نحو قضايا المنطقة، وإحداث نقلة نوعية في الوعي بمهددات الهوية الخليجية الحقيقية.
وضمن الإستراتيجية الشاملة التي يتعين أن يشترك في إعدادها أهل الاختصاص لمواجهة المهددات العديدة، تأتي أهمية توظيف القوة الناعمة التي تمتلكها المملكة وتنفرد بها عن غيرها، كميزة تفاضلية كاسحة للخصوم، محققة لأعلى درجات التفوق والغلبة، فضلاً عن أنها (أي القوة الناعمة) تهدف إلى نقل المعركة الفكرية إلى عقر دار الخصوم وساحاته عوضاً عن ردود الأفعال الوقتيّة.
الفجوة الحضارية
وتقول الدكتورة هدى بنت دليجان الدليجان أستاذة الدراسات القرآنية بجامعة الملك فيصل بالأحساء عندما أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق بخبر آخر الزمان: «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم...» الحديث.
كان خبراً صادقاً ونبوءة متقدمة لهذه الأمة.. لعلمائها ومفكريها وأبنائها ليعدوا عدتهم لهذا الزمان بكل ما يستطيعون من تلاحم وتعاون وتكافل لصد تلك الهجمات القاتلة التي تضرب في جسد الأمة.
فالغفلة والتباطؤ والتكاسل والتسويف والتعصب ينزل بالأمة داء لا يمكن برؤه، وهذه فرصة العدو المتربص لينقض على تراث الأمة وحاضرها ويطعنها في خاصرتها لتتخبط في مستقبل مظلم لا يمكن معرفته ولا التنبؤ بمآلاته.
ومع اتساع الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب، والانبهار المادي، والثورة التقنية كلها أدوات تساهم بشكل أو بآخر في رسم صورة المستقبل لكل أمة من الأمم.
من أجل هذا كان الخبر الدامغ والحجة الظاهرة على كل مسلم صغيراً أم كبيراً رجالاً ونساءً عالما أم متعلماً {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (60) سورة الأنفال.
قال المفسرون: (من قوة) نكرة في سياق الأمر تفيد العموم، فكل مجالات القوة مطلوبة وأهمها وأعلاها القوة العلمية والمنافسة الحضارية التي أدركها علماؤنا الأوائل فأتوا بعجائب الاختراعات ونفائس المخطوطات وكنوز المعرفة في كل المجالات المعرفية والإنسانية.
فأين نحن من ذلك الرعيل علماً وعملاً؟
إن من أسوأ المشاهدات التي قد تحيق الأمة بخطر داهم ما ينتشر من الاختلاف والشقاق وسوء الظنون بين المسلمين علماء وعوام، يكيد بعضهم لبعض، ويصنف بعضهم بعضا وهذا هدف أساس للعدو الظاهر والعدو الخفي.
فالأمانة والود والتناصح واجتماع الكلمة ووحدة الصف والإحسان منظومة قيمية متكاملة لمواجهة الأعداء مهما كانت عداوتهم، وتبطل مؤامراتهم مهما كانت ثخينة ومتينة.
قال تعالى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (45) سورة القلم، فالأمانة توقظ العمل الجاد والمسؤولية التامة في تأدية الحقوق والواجبات الفردية والجماعية، وهذا من مقاصد الشريعة الغراء.
أما الود فهي لغة القرآن الكريم في نشر المحبة بين المسلمين والتعامل الحسن الذي وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أقربكم إلي منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً» فهي العملة النادرة في صفوف أي أمة ووفق الله هذه الأمة لها.
أما التناصح فهو وسيلة الخير وكلمة المعروف ودعوة الأنبياء الكرام.. {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}، ولا بد أن يكون في كل أمة فئة هادية مهدية تقوم على النصح والتذكير بأمر الله ومواعظ القلوب بشفقة وحكمة وبصيرة، ويبقى العنصر اجتماع الكلمة ووحدة الصف درعاً صلباً قوياً يرد هجمات المعتدين أياً كانت قوتهم وخبثهم ومكايدهم.
لب الدين
وأكّدت د. هدى الدليجان في ختام مشاركتها على أهمية الإحسان باعتباره لب هذا الدين ومنزلته العظمى ورائد الحق والالتزام بأركان الإسلام الظاهرة في فرائض هذا الدين، وروح أركان الإيمان الخفية في القلوب والمشاعر والمناسك. قال تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (60) سورة الرحمن.
تلك هي حلول من القرآن الكريم لمواجهة عواصف الباطل المقيت وهو يتربص بنا وبوحدتنا وبوطننا وأمتنا، فمن كان لديه مسكة من عقل أو آثارة من علم فليبادر إلى الحبل المتين على فهم السلف الصالح ففيه النجاة والشفاء من كل داء - بإذن الله -.
وعلى كل مسلم أن يبادر إلى فهم عميق للنصوص الشرعية والتشبث بالاتباع لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع معرفة الواقع وفهمه من خلال رؤية شاملة وسليمة من الشوائب والأكدار، وأن ينهل من المعين الصافي الكتاب والسنة ويدع عنه كلام المتكلمين وتأويل المنحرفين وتثبيط الجاهلين، والعمل الجاد لتحقيق مسؤولياته أمام ما يراه من كثرة الأباطيل والشبهات وشدتها وقوتها، ولنا بحمد الله في تاريخ العلماء والأئمة الناصحين تراث مليء بمواقف الثبات والتمكين والنصر والفرج بعد الشدة، مع حسن الدعاء والاستعانة بالله مولانا العزيز الحكيم.
نقلة جديدة
ويبيّن الدكتور خالد بن عبد العزيز الشريدة أستاذ الدراسات الاجتماعية بجامعة القصيم أنّ هذه المرحلة هي نقلة جديدة في الصراع مع أعداء الإسلام فإذا لم يؤد الصراع العسكري دوره بالشكل الذي يريدون استبدلوه بأشكال أخرى، ومصداقاً لقول الله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ} (217) سورة البقرة
وفعل «لا يزالون» فعل يقتضي الاستمرار لا التوقف مطلقاً.. والآية في سورة البقرة أتت لتقرر قبل ذلك أن الفتنة أعظم من القتل.. والمعنى أن افتتان الإنسان عن دينه وصحة تعبُّده لله سبحانه أعظم من قتله. فأن يموت غير مفتون خير من أن يعيش مفتوناً عن دينه الحق ثم يموت على ذلك «خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين».
أنصار السنة
ويمضي د. الشريدة بالحديث قائلاً: هذه المعاني تشعرنا بأمور أهمها:
أولاً: إن نظرية الكيد من الأعداء قائمة ولا تزال ولن تتوقف. {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا}.
ثانياً: إن أي تنازل عن المعنى الصحيح عن دين الله هو الفتنة التي يجب أن نحذر ونحذّر منها. «إلا في الفتنة سقطوا».
ثالثاً: إن أنصار السنة النبوية يجب عليهم حتماً ونصراً لدين الله الصحيح أن يُجمعوا أمرهم ويتعاونوا فيما بينهم حفظاً لدينهم وحفاظاً على أنفسهم {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}.
والافتتان المذكور هو النتيجة المطلوبة للصراع بوجهه الجديد وبأدواته التي يستخدمها الغرب من خلال «ثالوث الفتنة «:
- الخرافيون المتصوفة.
- الصفويون المتزندقة.
- العلمانيون المستغربون.
ولعل من مظاهر تطبيع هذه العلاقة المشبوهة مؤتمر المتصوفة ومؤامرات الصفوية هذا الوقت أهل الخرافة والتمسح بالقبور والدجل والمتواطئون ضد أحكام الإسلام الظاهرة للحد من مواجهة أعداء الله بما يستحقون، وهؤلاء الثالوث قلة لا يعتد برأيهم لأن أنصار السنة الصحيحة غالبة والحمد لله على عالم الإسلام. ولا يعني ذلك التهاون مع من يريد علماً أو جهلاً تشويه حقيقة الإسلام فأهل السنة عموماً يحتاجون عاجلاً وبشكل واضح إلى تنسيق واجتماعات من العلماء والولات ليضعوا إستراتيجيات وخرائط للطريق لإيضاح الرؤية بشكل عالمي عن معنى السلام في دين الإسلام وعن كل المعاني الحضارية التي يمتلكها دين الله العظيم «رحمة للعالمين»، وما يمر به العالم من خلل في الأمن والإيمان هو نتيجة لاستهداف المستضعفين في بلاد المسلمين بشكل ليس له مثيل.. وأن الخلل الذي يمارسه ثالوث الفتنة هو الذي ينشر الصورة المشوهة عن دين الله بل ويتسبب في نقل الأفكار التي تضر بالاستقرار على كل المستويات.
في الأخير وكأن القوى الغربية تريد أن تقتل وتدمر وتفرق وتشرد وتغتصب وتقسم الأراضي وعلى الكل أن يسمع ويطيع.. وهذا في أي معادلة إنسانية فضلاً عن أن تكون دينية لا يمكن أن يقبل به إنسان لديه مسحة خلق فضلاً عن الدين. كما أنّ المتأمل البصير يجد بأن هناك تنامياً واضحاً للمعارضات ضد التدخلات الغربية التي أزعجت الأمن في العالم كله وهنا أمل بأن يوقف عقلاء الغرب ما يحيكه شياطينهم على العالمين كي يأمن الجميع.