عماد المديفر
تظهر تقارير الرصد لوسائل الإعلام الأجنبية والكتب الصادرة والنقاشات عبر الإعلام الجديد ووسائط التواصل الاجتماعي وجود رأي عام منتشر في الغرب وفي أقاليم عدة من العالم.. يجب أن لا نغفله.. يدعي وجود صلة "أيديولوجية" بشكل أو بآخر بين التنظيمات الراديكالية المتطرفة وما يسمى بـ "الوهابية" أو "السلفية" مستهدفين بذلك المملكة..
نعلم تمامًا أن هذا الأمر غير صحيح، ويجافي الحقيقة.. لكن ذلك وحده لا يكفي..!
قرأت مقالة مهمة للأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن صقر، نُشرت في (عكاظ) الأربعاء الماضي، حملت عنوانًا لافتًا: "أمريكا والتآمر الخفي على المملكة"..
يشير العارفون إلى أن البيت الأبيض في زمن سيئ الصيت.. "أوباما" ووزير خارجيته "كيري" أصبحا على علاقة متميزة بطهران وبأفراد من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.. دع عنك التصاريح الإعلامية الدعائية جانبًا.. لكن الحقيقة أيضًا أن وكالة الاستخبارات الأمريكية ووزارة الدفاع وقواعد المعلومات الأمنية لدى الولايات المتحدة تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى قوة ومتانة العلاقات السعودية الأمريكية المبنية على مصالح مشتركة كبيرة، حاسمة وراسخة.. وخصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب ودعم السلم والأمن الدوليَّيْن..
أتفق مع الدكتور عبدالعزيز في كثير مما ذُكر، وخصوصًا الجانب المتعلق بكون الولايات المتحدة في طريقها لتشريع القانون "العبثي" المسمى "جاستا" المخالف لأبسط أبجديات ومبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة. وإن ما قيل حول نية الرئيس "أوباما" استخدام "الفيتو" لرفض تشريع القانون لا يعدو كونه مجرد تمويه بمحاولة منع إصداره، وليعود المشروع إلى الكونغرس ليحظى بأغلبية الثلثين؛ ويتخطي "فيتو" الرئيس؛ ويتم إقرار القانون.. الذي وُصف بـ"الابتزاز" البعيد كل البُعد عن مبدأ العدالة والحق ومحاربة الإرهاب..
لكني أرفض القول بوجود "تآمر أمريكي خفي على المملكة"..! بل التآمر هو على العلاقات السعودية الأمريكية ذاتها.. ومحاولة دق إسفين في هذا التحالف الراسخ والقديم.
لم يكن اختيار تنظيم "القاعدة" لـ (15) عنصرًا يحملون الجنسية السعودية من بين الـ (19) إرهابيًّا المنفذين لجريمة الحادي عشر من سبتمبر.. لم يكن عبثًا أو بمحض المصادفة.. خاصة إذا ما علمنا أن السعوديين المنضوين تحت راية "القاعدة" لا يصلون ولا لـ10 % من أعضائها.. وأن الـ(11) عنصرًا من هؤلاء الإرهابيين (السعوديين) كانوا يترددون على إيران في الفترة بين عامَيْ 2000 و2001، وأن الاستخبارات الإيرانية كانت على تنسيق وتعاون مسبق مع قيادات القاعدة منذ منتصف التسعينيات، وأن النظام الإيراني متورط معها بشكل مباشر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر بحسب لجنة التحقيق الأمريكية المشكَّلة بأمر الكونغرس.
كما نعلم تمامًا أن ما قام به تنظيم "داعش" الإرهابي من عمل دعائي في بداية تمدد التنظيم قبل ثلاث سنوات، الذي أنشأته القاعدة والاستخبارات السورية والإيرانية قبل أكثر من 12 سنة، بنشره صورًا ومقاطع فيديو وهو يفرز نسخًا مطبوعة بشعار داعش، ويحمل غلافها عنوان (كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبدالوهاب) - مع علمنا التام أن ما يقوم به هذا التنظيم الخارجي مخالف بالكلية للدعوة العلمية للشيخ محمد التي لم تخرج قيد أنملة عن الكتاب والسنة - لم تكن هي الأخرى محض مصادفة.. بل عملاً مخططًا مدروسًا..
فأمامي الآن مثلاً كتاب بالإنجليزية للقيادي الإخواني "يوسف ندا"، كتبه دوجلاس تومسون، تم إصداره في 2012م، وأمامي كتاب أمريكي مطبوع باللغة الإنجليزية عام 2013م مؤلفه عراقي مقيم في أمريكا وله ارتباطاته بنظام الملالي في طهران يدعى (محمد نعمة السماوي)، وهو لا يجيد الحديث ولا الكتابة باللغة الإنجليزية، ولن أذكر عنوانه.. وكلا الكتابين يسعى لربط المملكة بالإرهاب، سواء من الناحية الأيديولوجية، أو بشكل أقل، من ناحية الدعم المادي والملموس.. وكله قائم على محض كذب. ولم يخرج هذان الكتابان مقدار شعرة عما ذكره وزير الخارجية الإيراني"ظريف" في مقالته في النيويورك تايمز قبل أيام، المليئة بالكذب والبهتان والتخريص.
كما أمامي كتاب "السراب" للإماراتي جمال السويدي المطبوع في 2015، والمتضمن العديد من الخلط الذي يبدو غير بريء، ويفسر بأنه سعي بشكل أو بآخر للإساءة للمملكة عبر محاولة ربطها "أيديولوجيًّا" بتنظيمات الإسلام السياسي.. من خلال اعتباره "السلفية" كما لو كانت جماعة أو تنظيمًا من تنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة.. وكذلك الحال لما حدث في "مؤتمر الشيشان" والمدعوم من مؤسسة "طابا".
سبق أن ذكرت في أكثر من مناسبة أن العمل على توريطنا بالإرهاب بشكل دعائي لا يستند إلى أدلة حقيقية، لكنه يقدم بطرق ذكية، وقائم على قدم وساق، سواء من إيران، أو من تنظيم الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي وتنظيماتها الإرهابية كداعش والقاعدة، أو من متشددي الطرق الصوفية، أو من جهات أجنبية ذات علاقة بمشروع ما سمي بـ "الربيع العربي".. وأن المواجهة الحقيقية ميدانها "الرأي العام" لدى الدول الصديقة الذي أصبح مؤثرًا رئيسًا على أصحاب القرار.. وأننا لا نزال مقصرين في ذلك.. وأن محور الحل مرتكز على العمل الدبلوماسي الشعبي.. أو "الدبلوماسية العامة".. التي لم نزل نحبو بها حبوًا.. وأن الخطر كل الخطر في الجمود، أو في تكرار الأخطاء، وعودة تصدُّر الحركيين والصحونج للمشهد..
إلى اللقاء.