د. عبدالحق عزوزي
عجيبة لدولة مثل إيران أن تقوم بتسييس ركن من أركان الإسلام الخمسة، ركن الحج، هاته الفريضة التي يجب أن يؤديها المسلمون في خشوع وسكينة لرب العالمين.. فها هو المرشد الأعلى الإيراني علي خامنائي يوجه اتهاماته الباطلة والمشينة في حق المملكة العربية السعودية، بل وفي حق الإسلام والمسلمين دون مراعاة لأدنى شروط اللباقة والاحترام، بل والمشاعر التي ستمس الملايين من المسلمين. ومن يستمع أو يقرأ بيان المرشد الأعلى ستصيبه الحيرة والدهشة مما يتضمنه الكلام من عبارات غير لائقة وأوصاف مسيئة، وهي أولاً وآخراً تحريض مكشوف الأهداف، ومحاولة دائمة من هذا البلد لتسييس شعيرة الحج المباركة التي تجمع المسلمين من كل أقطار العالم في هذه الأيام على أرض الحرمين الشريفين المباركة ليؤدوا مناسكهم وليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات.. فالذي تقوم به إيران هو لتصفية حسابات سياسية مغرضة، ومحاولة يائسة لتسييس فريضة الحج وبث الفوضى والإساءة إلى المسلمين، علماً أن الادعاءات تتنافى تماماً مع قيم ومبادئ الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى الألفة والمحبة والتآخي وتتعارض مع مبادئ سياسة الجوار ولا تساعد على بناء علاقات بناءة بين الدول الإسلامية.
ولا أدل على جهالة البيان وأغراضه البعيدة عن روح الإسلام، هو حج الإيرانيين الذين يقيمون خارج إيران إلى بيت الله الحرام، غير مكترثين بالمآرب السياسية لحكامهم، وقد تمكن العديد منهم من القدوم من مختلف دول العالم لأداء مناسك فريضة الحج هذا العام.
أقولها وللمرة الألف أن المشكلة مع إيران هي مشكلة مع طبيعة النظام السياسي الإيراني وأهله.. فالنظام قائم على الشخصنة السلطوية -في ظل غيبة الإمام المنتظر الذي طال مجيئه ولا يعرف أحد متى يأتي- وأعني بذلك ولي الفقيه الذي يعلي ولا يعلى عليه، والذي وصفته المادة 107 من الدستور الإيراني بأنه «المرجع المعظم والقائد الكبير للثورة الإسلامية العالمية، ومؤسس جمهورية إيران الإسلامية، سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (قدس سره الشريف) الذي اعترفت الأكثرية الساحقة من الناس بمرجعيته وقيادته».. فالسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية تمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأئمة (المادة 57).. فمهمته مهمة مركزية في نظام الحكم الإيراني، وهو المتفرد بالمرجعية الدينية لكل الشيعة في العالم، دون اكتراث للحدود الجغرافية أو السيادة الوطنية. ولحماية هذا النوع من التواجد السلطوي في دواليب الدولة، فإن للقائد ممثلين يعينهم يبلغ عددهم نحو ألفي ممثل في كل مؤسسات الدولة وأجهزتها وفي الوزارات والسفارات والمراكز الثقافية، كي تتمكن أسس الثورة من البقاء انطلاقاً من «ممثلي الإمام». وهاته السلطات والصلاحيات أتاحت للقائد بإنشاء «دولة داخل دولة» وما يعنيه ذلك من سريان نظام وقواعد غير مكتوبة وأخرى مكتوبة تكون فوق القانون والصلاحيات المشروعة المتعارف عليها، وبلباس ديني ثوري مطلق. ولا غرو أن ترتفع أصوات حتى من داخل فقهاء الشيعة الذين قيدوا الفقيه العادل بالولاية الخاصة وليس بالولاية العامة المطلقة، لأن ذلك في نظرهم، ستعطيه تسوية مع مقام «الأئمة المعصومين» وهذا ما لا يمكن تأييده بعقل أو دين حسب رأيهم. ولا يجب أن ننسى أن هاته الصلاحيات المطلقة تتعدى بطابعها الأسطوري والسلطوي ما كان يتهم به الخميني نفسه الشاه محمد رضا بهلوي على أنه صاحب نظام سلطوي مستبد وأبوي.
إذا فهمنا من خلال هاته الإطلالة السريعة نوعية النظام القائم في إيران فهمنا كل شيء. سنفهم أن لعب إيران على الوتر الطائفي مسألة وجود إيديولوجي لإيديولوجية ولاية الفقيه؛ سندرك أن تصدير مشروع الثورة الإيرانية لن تكون إلا من خلال استعمال أدوات مذهبية باستغلال وتجييش طائفي لبعض الشيعة العرب وغيرهم في المنطقة العربية لنشر مبادئ ومرتكزات الثورة، كل ذلك لتعزيز المصالح القومية الإيرانية، والتمركز داخل النظام الإقليمي وابتزاز الخصوم والأنداد وهو ما يؤدي طبعاً إلى إضعاف مؤسسات دول بأسرها كما هو شأن العراق وسوريا ولبنان واليمن.. ونفهم بذلك جلياً صواب السياسة السعودية التي أحبطت كل مخططات إيران الرامية لتسييس الحج وبث الفوضى والبلبلة، وذلك من خلال رفضها القاطع لمحاولات نظام الولي الفقيه في طهران فرض شروط سياسية وإدخال مراسم وطقوس خارجة عن مناسك الحج وكذلك رفضها شروط إيرانية من شأنها أن تؤدي إلى إحداث انشقاقات طائفية ومذهبية تعكر صفو الحج وتخدم سياسة تصدير الثورة الخمينية من خلال استغلال موسم الحج.