عروبة المنيف
كانت وما زالت نكات» المحششين» المتداولة بكثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، تؤرّقني بسبب أهدافها الخبيثة غير المعلنة والتي يدس فيها السم في العسل. فتلك النكات تصف المحششين بخفة الظل والفطنة، ولكني أحرص كل الحرص على عدم إرسالها حتى لا أكون قد ساهمت في دعم حملات ترويجية للمخدرات.
بدأ مكيال الترويج المبطّن يزيد عن حدود خفة الظل والذكاء، ليستدرج القارئ إلى ما هو أدهى وأمر، فقد بدأ المروِّجون للمخدرات والمسكرات في وسائل التواصل الاجتماعي بانتهاج أساليب وطرق أكثر احترافية بهدف الولوج في عقل ووعي القارئ، فربطوا الإدمان على الكحول والتبغ وتعاطي المخدرات بشخصيات تاريخية لديها تاريخ حافل بالإنجازات العظيمة وفي مساهمتها في إحداث نقلات حضارية لمجتمعاتها!
من أكثر تلك الرسائل تداولاً واستفزازاً، رسالة تقول بأن محرراً في جريدة أمريكية كان قد قام بمحاولة لتثقيف القراء فعرض عليهم أسئلة على شكل أحجية، يتوجّب فيها على القارئ أن يجيب إجابة واحدة فقط. من ضمن تلك الأسئلة: على افتراض أنه قد عرض عليك ترشيح زعيم من ضمن ثلاثة مرشحين وصوتك هو المرجح ولديك المعلومات التالية عن هؤلاء المرشحين: المرشح الأول، مدمن كحول وتبغ ويخالط سياسيين غير شرفاء ويستشير منجماً ولديه خليلتان.
المرشح الثاني، ينام إلى الظهر ومدمن كحول وتعاطى الأفيون في المدرسة وفصل من عمله مرتين.
المرشح الثالث، نباتي، بطل حرب، حائز على أرفع الأوسمة، لا يدخن مطلقاً، لا يشرب الكحول إلا القليل من البيرة وفي المناسبات، ولم يخن رفيقته قط!
وكانت الإجابات: المرشح الأول هو فرانكلين روزفلت رئيس أمريكا.
المرشح الثاني هو ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا.
المرشح الثالث هو أدلوف هتلر!
هل هناك أدهى من تلك الرسالة في الترويج للكحول وللمخدرات وللفساد وللخيانة، وماذا ستكون ردود أفعال القراء وبخاصة فئة الشباب، إنها حملة مبطّنة للتشجيع على الإدمان بطرق ملتوية، هي رسالة للقراء بأن هؤلاء الزعماء لم يحققوا المجد والقوة إلا بفضل ذلك الإدمان وبفضل عدم التزامهم بالقيم والفضائل النبيلة! فها هو هتلر، مجرم الحرب، لا يشرب الكحول ولا يدخن ولا يتعاطى المخدرات وصاحب فضائل كالإخلاص لرفيقته، انظروا وقارنوا!
تزامن تداول ذلك المقطع مع خبر تشكيل فرق إلكترونية من رجال مكافحة المخدرات في عدد من مناطق المملكة لرصد ما يُنشر في وسائل التواصل الاجتماعي من عمليات ترويج للمخدرات أو التحريض على تعاطيها، وقد تم ضبط العديد من الحسابات الإلكترونية المروِّجة وقُبض على أصحابها. إن تلك الأساليب الشيطانية في الترويج يجب أن لا تغفل عنها تلك الفرق فهي أقوى تأثيراً لمقدرتها على قلب المفاهيم والقيم الأخلاقية وعلى تشويه الحقائق، إنها حرب نفسية تستهدف النشء لما تحويه من بذور فكرية مدمرة.