د. خالد محمد باطرفي
مبادرة إحياء طريق الحرير التاريخي بريا وبحريا بين الصين وبقية آسيا مرورا بأفريقيا ووصولا إلى أوروبا كانت حاضرة بقوة على طاولة المباحثات في الرياض وبكين خلال لقاءات العام الحالي، على مستوى القمة والوزارات المعنية. فالمملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية وقعا العديد من الاتفاقيات التي تنظم الشراكة في بناء الطريق بنسخته الحديثة، وتربط بين موانئ ومطارات وشبكة السكة الحديدية والطرق السريعة وشبكات نقل المعلومات والنفط والغاز في البلدين، ولأكثر من ستين بلدا مشاركا يبلغ عدد سكانها 4.4 بليون نسمة، أي ما يماثل 63 في المائة من سكان الكرة الأرضية، وتبلغ حجم اقتصادياتها 21 تريليون دولار، أي 29 في المائة من الاقتصاد العالمي.
اكتشف الصينيون صناعة الحرير قبل خمسة آلاف عام، وأبدعوا في حياكته وتسويقه، حتى كانت شعوب العالم تقتنيه مقابل وزنه من الأحجار الكريمة.
وانطلقت القوافل من الصين إلى غرب ووسط آسيا، وصولا إلى شمال أفريقيا ووسط أووربا تحمل الحرير والبضائع الصينية، وغيرها من منتجات البلدان التي كان يمر بها الطريق، مثل الهند وإيران وتركيا ومصر. كما أصبح الطريق معبرا ثقافيا مهما ساهم في بناء وتلاقح الحضارات العالمية، فعبره تم نقل اختراعات كالورق وطباعته مما سهل تسجيل وتداول العلوم والمعارف البشرية، وتدوين التاريخ. كما عبرت اختراعات غيّرت مسار العالم كالبارود، وأديان صاغت وعيه وثقافته من البوذية إلى الإسلام.
وطريق الحرير البري ليس طريقا واحدا، ولكن شبكة من الطرق تصب في طريقين كبيرين، صيفي يمر بدول شمال ووسط آسيا، وشتوي، يمر بجنوب آسيا. وقد استفادت جميع البلدان التي كان يمر بها الطريق وانتقلت عبره أنماط من النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانت ستظل، لولاه، محصورة في الإمبراطوريات والحضارات التي أنتجتها.
وهناك طريق آخر تعمل الصين على إحيائه، هو الحزام البحري الموازي لدرب الحرير، الذي ينطلق من الصين مرورا بدول شرق فجنوب آسيا، وصولا لسواحل الخليج العربي والبحر الأحمر، ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط، وبحر إيجه.
والمملكة وقعت اتفاقيات خلال زيارة الرئيس الصيني بداية العام الحالي للمملكة لتكون معبرا رئيسيا من خلاله يتصل الطريق البري بالشبكة التي تمر بشمال أفريقيا وتركيا وصولا إلى أوروبا، ويتصل الطريق البحري بحوض البحر الأبيض المتوسط. وبذلك تستفيد السعودية من موقعها الإستراتيجي في قلب العالم، وبين قاراته الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، ومن كونها شريكا تجاريا هاما وفاعلا مع أكبر دوله، ومن بين أكبر اقتصادياته (مجموعة العشرين). حيث ترتكز رؤية المملكة 2030 على الاستفادة من الموقع الإستراتيجي الفريد للمملكة بين الممرات المائية والجوية والبرية العالمية إلى مركز لوجستي عالمي، بما يجعل بلادنا نقطة اتصال بين آسيا وأوروبا وأفريقيا ومركزا للتجارة وبوابة إلى الأسواق الإقليمية والعالمية.
وأمام أميرنا الشاب محمد بن سلمان مهمة كبيرة ومهمة للاستفادة من حماس الدول الشريكة في طرق الحرير البرية والبحرية، ومن بينها باكستان والصين واليابان التي يزورها في هذه الجولة، وتطلعها للمشاركة والاستفادة من الانفتاح الاقتصادي والاستثماري الذي تعرضه المملكة من خلال رؤيتها 2030 وخطة تحولها الوطني 2030.
وكما استطاع أمير الاقتصاد والتنمية كسب الحلفاء والشركاء خلال زيارته الناجحة للولايات المتحدة في رمضان، أتوقع أن يحقق نجاحا أكبرا في الصين واليابان ولدى الدول المشاركة في قمة (جي 20) لأكبر عشرين اقتصادا في العالم، وأن يتم توقيع العديد من الاتفاقيات المثمرة مع مؤسسات حكومية وقطاعات مالية وتجارية وصناعية وعلمية وتعليمية للتعاون المشترك في جميع هذه المجالات.
القوي يتقوى بالأقوياء، وبلادنا قوية وتزداد قوة بحسن اختيارها لشركائها وحلفائها وأصدقائها. وزيارة ولي ولي العهد للصين واليابان بعد الولايات المتحدة، هو توثيق لشراكات هامة مع أكبر ثلاثة اقتصاديات في العالم. ومشاركته في قمة العشرين، توسيع لدائرة المشاركة لتشمل أكبر اقتصاديات العالم، والتي أتوقع أن تشملها زياراته في قادم الأيام.