«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كثيرة هي الأدوات المنزلية وقطع الأثاث التي اختفت من حياتنا إلا لدى البعض من عشاق الماضي أو المتاحف الخاصة.. نعم هناك أدوات اختفت بقدرة قادر ولم نعد نستعملها.. ومنها (المنز) ذلك السرير المصنوع من عيدان سعف النخيل والذي كان في الماضي يحتل مكانه في إحدى زوايا غرف الأسرة أو رواق البيت، حيث يوضع فيه الطفل لينام غرير العين بجوار والدته أو شقيقته أو حتى العاملة المنزلية التي كانت توجد في بعض بيوت الميسورين وتشارك في الخدمة ورعاية وحتى رضاعة الأطفال في زمن لم يكن فيه الحليب الصناعي متوفراً كما في عصرنا الحاضر.. ولقد عرف (المنز) سرير الطفل منذ القدم في الأحساء وحتى بعض دول الخليج خصوصاً البحرين وقطر والإمارات وعمان والكويت وحتى العراق. وأول ما تفكر فيه الأم بعد أن تضع طفلها إعداد سريره الذي ينام فيه وأدى التفكير المستمر في راحة الطفل إلى ظهور الكثير من أنواع المهود البدائية التي تطورت مع الأيام مثل المصنوعة من جلود الحيوانات من ماعز وأبقار أو سعف النخيل، وبحكم الأحساء منطقة زراعية فكان الحرفيون الذين يعملون في صناعة الأقفاص راحوا يصنعون وينتجون (المنزات) أسرة الأطفال الصغار حسب (الصورة) وحتى أيامنا هذه ما زال هناك من يطلب شراء المنز إما لوضعه ضمن مقتنياته التراثية والتاريخية أو لكونه يفضّل أن يعيد التاريخ عبر مشاهدة طفله ينام باطمئنان داخل (المنز) كما كان ينام والده وجده.. والمنز المصنوع من «جريد» النخل يبدع فيها الحرفيون والقفاصون في إنتاج (المنزات) وبأشكال متعددة من أهمها المستطيل والهرمي وكلاهما يتيح تغطيته بقماش شفاف في الصيف أو سميك في الشتاء منعاً من وصول الذباب والحشرات إلى المولود أو الطفل الصغير.. وحرفة صناعة (المنزات) حرفة تحتاج للدقة والمهارة والصبر. وتطويع الجريد ليتيح للحرفي إمكانية عمل أقواس منه أعواد الجريد وذلك بوضعها فترة طويلة في الماء لتكون لينة مطواعة ولتسهل بالتالي عملية تصنيع (المنز) بدقة وإبداع. وإنتاج المنزات اشتهرت به البلدات والقرى في الأحساء وفي العادة يتشارك أفراد الأسرة الواحدة في العمل. وهم حسب ما هو مشاهد ومعاش يتوارث الأبناء أسرار وحرفية العمل في هذا المجال التقليدي والمفيد للأسرة في توفير دخل ثابت من خلال الإنتاج في أعمال حرفية مفيدة ومما يسترعي الانتباه إن صانعي المنزات تجدهم يعرضون إنتاجهم في مختلف أسواق الأحساء الشعبية المعروفة وخلال المهجانات والفعاليات الثقافية والتراثية وكثير منهم شارك في مهرجانات الجنادرية ومنذ انطلاقتها قبل عقود كذلك تصدر منتجات هؤلاء إلى دول الخليج المجاورة. واعتادت الأمهات في الماضي أن تغني لطفلها وهو في «المنز» فتحركه قليلاً وهي تمارس عملاً بيد أخرى.