بيروت - منير الحافي:
التطورات الأمنية في البقاع المحاذي لسوريا مؤخراً، وتحديداً منطقة عرسال، وصفها الإعلام اللبناني بأنها «إنجاز مهم للجيش اللبناني». ومعركة حلب التي قادتها وتقودها المعارضة السورية لفك الحصار عن المدينة وصفها الإعلام العربي بأنها «مهمة وقد تكون فاصلة في معركة الشمال وربما في كل سوريا». هذان الموضوعان العسكريان، حملتهما «الجزيرة» إلى الخبير الاستراتيجي والمحلل العسكري اللواء المتقاعد من الجيش اللبناني عدنان مرعب. وهو عدّ أن إلقاء القبض على إرهابيين من داعش في لبنان «أوصلت رسالة إلى الإرهابيين بأن الجيش اللبناني قادر على الوصول إليهم وتقديمهم للعدالة وأن ذراعه طويلة ومديرية المخابرات قادرة على رصد حركاتهم وتنقلاتهم وملاحقة الإرهابيين».
أما عن سوريا، فيؤكد أن عملية «حصار حلب التي قام بها النظام السوري وحزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية وروسيا خططت بدقه لتركيع المعارضة واقتحام حلب والذهاب إلى المفاوضات في جنيف للحصول على ورقة استسلام من المعارضة»، لكن الشعب السوري «فاجأ الجميع» وانتصر في حلب.
وشدد على أن «قيادة المملكة العربية السعودية لن تترك الشعب السوري فريسة للعدوان الإيراني والروسي ونظام بشار الأسد؛ لأنّها تقود المنطقة ضد التسلط والهيمنة وتقف سداً منيعاً في وجه التمدد الإيراني وتحارب الإرهاب». وفيما يلي نص المقابلة كاملة.
* حضرة اللواء مرعب، بصفتك خبيراً عسكرياً كيف تقيّمون ما جرى في عرسال مؤخراً مما سمي «صيد ثمين»، استطاع فيه الجيش اللبناني القبض على اثنين من أهم قيادي داعش طارق الفليطي وسامح البريدي المسؤولين مباشرة عن عمليات إرهابية إجرامية بحق عسكريين ومدنيين في عرسال؟
- بعد عمليات رصد ومتابعة لمجموعات داعش في الداخل اللبناني ومنطقة عرسال قامت بها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني بتوجيه من العماد جان قهوجي، سدد الجيش اللبناني ضربة جديدة ومؤلمة للمجموعات الإرهابية وذلك من خلال العملية الأمنية الدقيقة التي قام بها الجيش اللبناني في وضح النهار، وتمكن من توقيف مسؤول تنظيم داعش في عرسال الإرهابي سامح البريدي المعروف بلقب « سامح سلطان» وهو من أخطر المطلوبين للجيش، ومقتل طارق محمد الفليطي وتوقيف عدد من المطلوبين. والمدعو طارق الفليطي أطلق النار مع مجموعته وسامح البريدي على مجموعة قوة المداهمة التي ردت على النار مما أدَّى إلى إصابة البريدي في قدمه والفليطي بجروح خطيرة نقل إثرها إلى مستشفي دار الحكمة في بعلبك حيث توفي متأثراً بجراحه.
البريدي صيد ثمين جداً للجيش اللبناني لأن مديرية المخابرات تتعقبه منذ أكثر من سنة باعتباره المطلوب الأساسي في استشهاد الرائد بيار بشعلاني والرقيب أول إبراهيم زهرمان ومسؤول عن تفجيرات بيروت التي قامت بها داعش. وهو متورط في قتال الجيش في أحداث عرسال عام 2014 التي نتج عنها خطف عسكريين وتنفيذ عمليات واغتيالات في بلدة عرسال وصدرت بحقه عقوبة الإعدام غيابياً بسبب إرساله سيارة مفخخة إلى الداخل اللبناني، ولكن الجيش اللبناني ومديرية المخابرات اكتشفوها قبل تفجيرها وتم تفكيكها.
أما طارق الفليطي فهو مطلوب للقضاء بمذكرات توقيف عديدة بسبب اشتراكه في جرائم قتل وخطف وانتمائه إلى داعش. إن هذه العملية نفذت بدقة متناهية بعد عمليات رصد وعمل مخابراتي مستمر بواسطة قوة خاصة ذات كفاءة عالية، وهذه العملية التي قام بها الجيش وجهت رسالة واضحة للإرهابيين أن الجيش اللبناني جاهز ومستنفر وقادر على حماية اللبنانيين وحائز على ثقتهم الكاملة.
* هذه التغيرات برأيكم إلى ماذا ستؤدي على الأرض من حيث محاربة الإرهاب سواء في لبنان أو في امتداداته؟ وهل ستكون مقدمة للتبادل لتحرير العسكريين اللبنانيين الذين لا يزالون مختطفين لدى داعش؟
- إن هذه التغيرات أوصلت رسالة إلى الإرهابيين بأن الجيش اللبناني قادر على الوصول إليهم وتقديمهم للعدالة وأن ذراعه طويلة ومديرية المخابرات قادرة على رصد حركاتهم وتنقلاتهم وملاحقة الإرهابيين. فالجيش اللبناني لن ينسى عملية الإرهابيين وغدرهم على عناصر الجيش عام 2014 بل انه بقي متابعاً رسالة إلى الإرهابيين «لا مكان لكم آمن في لبنان لأن جيشه وشعبه متكاتفين للنيل منكم أينما كنتم». فالاعتداء على الجيش اللبناني خط أحمر لأنه اعتداء على السيادة والكرامة وهذه من المحرمات.
أما الشق الثاني من السؤال الذي يتعلق بموضوع تحرير العسكريين المختطفين فهو الشغل الشاغل لقيادة الجيش لأنهم أبناؤها، وكل عنصر منهم عزيز على الجيش والحكومة والشعب وأهله والكل مستعد أن يقدم أقصى ما يمكن لاستعادتهم وعودتهم إلى أهلهم ومؤسستهم ووطنهم. وهذه العملية قدمت دعماً قوياً للمفاوضات من أجل استرجاع العسكريين وتحريرهم لأنّها وجهت رسالة قوية إلى الإرهابيين ولأن الجيش أصبح لديه رؤوسٌ مهمة من داعش، وأنه قادر على الوصول إلى قادتهم وخلاياهم وأنهم تحت مراقبة ومتابعة دائمة من قبل مديرية المخابرات، لذلك أتمنى تحرير العسكريين بأسرع ما يمكن من خلال مفاوضات تقوم بها الدولة وتتابعها بمساعدة الدول الصديقة للوصول إلى حل لهذا الموضوع.
* في التطورات السورية، كيف تقرأون المستجدات في حلب؟ وهل عملية فك الحصار عن حلب التي قامت بها المعارضة السورية ستكون قادرة على تغيير دراماتيكي في جبهة الشمال؟
- إن عملية حصار حلب التي قام بها النظام السوري وحزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية وروسيا خططت بدقه لتركيع المعارضة واقتحام حلب والذهاب إلى المفاوضات في جنيف للحصول على ورقة استسلام من المعارضة، لكن فاتهم أن الشعب السوري لن يركع ولن يستسلم وهو شعب له تاريخ وكرامة وأنه مستعد أن يضحي بدمائه للعيش بكرامة، وأن هذا الشعب هو الذي ضغط على المعارضة لتوحيدها تحت غرفة عمليات واحدة قامت بعملية فك الحصار الذي فاجأ النظام وأعوانه حيث كانوا يعدون العدة للممرات الإِنسانية «ممرات الموت»، ولقد جربها الشعب السوري في حمص ولن يخدع مرة ثانية لا من روسيا ولا من الولايات المتحدة ولا من الأمم المتحدة.
إن هذه العملية تعتبر من العمليات الصعبة والناجحة التي نفذت بدقة وتنسيق وسرعة مما أدَّى إلى تقهقر قوات النظام وأعوانه على الرغم من القصف الروسي وقصف طائرات النظام.
أهم عنصر قدمته هذه المعركة هو رفع معنويات المعارضة والشعب السوري وتوجيههم رسالة واضحة إلى كل دول العالم أن هذا الشعب لن يستسلم قبل الحصول على الحرية والديمقراطية، ولن يقبل بعد الآن أن يحكمه هذا الدكتاتور الذي دمر سوريا وشرد شعبها وقتل حوالي 400 ألف سوري وملأ السجون بأبطال الثوار وطلاب الحرية.
* هل التغييرات الميدانية ستؤثر في مجريات العملية السياسية في جنيف وفي الأروقة الدولية؟ وكيف؟
- لا يمكن للتغيرات الميدانية أن تسمح لأي فريق بالانتصار وفرض الحل العسكري وترجمته في جنيف، فالأزمة السورية أصبحت أزمة إقليمية دولية وخرجت من أيدي اللاعبين الصغار إلا بمقدار ما يسمح به اللاعبون الكبار.
وهذا يتضح لنا من خلال مراقبة سير وتطورات الثورة السورية فالنظام السورية كاد أن ينهار في بداية الثورة ولكن اللاعبين الدوليين لم يسمحوا بذلك وتغاضوا عن الدعم الإيراني ودعم حزب الله والميليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية الذين أعطوا النظام فرصة استمراره لمدة سنين، ولكن الثورة السورية بعد ذلك نظمت قواتها وأنشأت غرفة عمليات استطاعت أن تصل إلى مشارف اللاذقية والسيطرة على الجزء الأكبر من سوريا وكاد النظام أن ينهار فاستنجد الأسد وإيران بروسيا وطلبا منها التدخل، وإلا سيسقط النظام فكان التدخل الروسي ورأينا كيف تمكنت روسيا من إنعاش النظام من جديد. من خلال ما تقدم استطيع أن أقول انه لا يمكن لأي حل عسكري أن ينهي الأزمة في سوريا بل يجب أن يحصل حل سياسي ومرحلة انتقالية لا وجود لبشار الأسد فيها ولكن مع المحافظة على المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وإعادة هيكلتها لتستطيع أن تحارب الإرهاب وتوحد سوريا وتنهي الحكم الديكتاتوري، لأن الشعب السوري بعد كل التضحيات لن يقبل إلا بحكم ديمقراطي حر.
من هنا أريد أن أؤكد ان معركة حلب بكل تطوراتها وتداعياتها لن تقرر مصير سوريا لأن معركة حلب لن تؤدي إلى كسب الحرب في سوريا، لأن الوضع في سوريا معقد وهناك عدد كبير من المشاكل لأن الأزمة بالغة التعقيد بسبب دمار البلد وفقدان الأمن والاستقرار، وإن مصير سوريا مرتبط بصراعات إقليمية ودولية ولن يحدده الأسد أو المحور الإيراني الروسي بل سيتحدد على طاولة مفاوضات أمريكية روسية - إقليمية - دولية، ولا يمكن أن يكون الحل بنقل السلطة إلى نظام سياسي جديد تعددي يحقق المصالح المشروعة لكل مكونات الشعب السوري ويضمن حقوقه الأساسية.
* هل ما زال الخطر بتقسيم سوريا لدولتين علوية في الساحل وسنية في بعض المناطق؟ خصوصاً أن العديد من معارضي الأسد يتهمون الولايات المتحدة بأنها متقاعسة في التدخل الفعلي لإزاحته ودعم المعارضين المعتدلين؟
- إن تصريحات بعض القادة الأمريكيين من أنهم غير متأكدين من عودة سوريا كما كانت أظهرت خطر التقسيم، خاصة أن هذا التقسيم إذا حصل لن يكون محصوراً في سوريا بل ان العراق جاهز للتقسيم وأكثرية دول المنطقة ستتعرض لهذا الخطر، وهذا سيؤدي إلى تفتيت الدول العربية إلى مجموعات طائفية ومذهبية متناحرة وهذا الخطر يهدد أيضاً دولا إقليمية مثل إيران وتركيا بسبب تركيباتهم الداخلية.
لذلك ربما من مصلحة الولايات المتحدة التقسيم وهذا سيكون لمصلحة إسرائيل ولكن بعض قادة الدول ومنهم بشار الأسد يحاول أن يخمد الثورة بالقوة والبطش ليحكم كل سوريا وفي حل فشل في ذلك فانه من مؤيدي التقسيم ليقيم دولته، ويجب أن نتذكر أن الفرنسيين حاولوا تقسيم سوريا لكن كل الطوائف رفضت ذلك، فالطائفة العلوية بقيادة صالح العلي رفضت قيام الدولة العلوية وطالبت بسوريا الموحدة كذلك فعل أهل السويداء والدروز بقيادة سلطان باشا الأطرش، فشعب سوريا لن يقبل مؤامرة التقسيم التي ان حصلت ستؤدي إلى تخلف هذه الشعوب. وهنا دور الثورة السورية التي يجب أن تستوعب جميع فئات الشعب السوري وأن تقف في وجه مؤامرة التقسيم.
ولكي يستطيع الشعب السوري الصمود وعدم الرضوخ لمؤامرة التقسيم عليه أن يضغط على فصائل المعارضة للتوحد وإنشاء قيادة موحدة والتنسيق مع المملكة العربية السعودية للعمل على المحافل الدولية والإقليمية وإظهار الثوار المعتدلين ونبذ التطرف، خاصة ان المملكة العربية السعودية ودول الخليج يساندون الثورة السورية ويطالبون بحل سياسي للأزمة السورية لا وجود لبشار الأسد فيها، وقيادة المملكة العربية السعودية لن تترك الشعب السوري فريسة للعدوان الإيراني والروسي ونظام بشار الأسد لأنّها تقود المنطقة ضد التسلط والهيمنة وتقف سداً منيعاً في وجه التمدد الإيراني وتحارب الإرهاب لإعادة المنطقة إلى الاعتدال والقضاء على الإرهاب التي تقوم به داعش والإرهاب الذي يقوم به النظام السوري وأعوانه.