جاءت موافقة لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، في اجتماعها الـتاسع والثلاثين في مدينة بون الألمانية في الفترة من 28 يونيو حتى 8 يوليو 2015م، على إدراج مواقع الرسوم الصخرية في جبة والشويمس في منطقة حائل، ضمن 24 موقعًا جديدًا وافقت عليها اللجنة في هذا الاجتماع. ولقد توجت هذه الموافقة جهود المملكة العربية السعودية التي بدأتها قبل عام 2008م لتسجيل مواقعها التراثية المميزة ضمن قائمة التراث العالمي، وهي الجهود التي نجحت بذلك في تسجيل ثلاثة مواقع ضمن هذه القائمة العالمية، وكان رابعها هذا الموقع، وذلك خلال ثماني سنوات حتى الآن، وهي موقع الحجر (مدائن صالح) الذي أدرج عام 2008م كموقع أثري، وحي الطريف في الدرعية الذي أدرج عام 2010م كموقع تراث عمراني، ثم جدة التاريخية بوابة مكة كموقع للمدن التاريخية عام 2014م، وهو نجاح يؤكد ما للمملكة من عمق حضاري وما لتراثها من تميز وعراقه، تستحق أن نفخر به.
جبل المنجور الشويمس حائل
وتعدّ جبه متحفاً مفتوحاً يحوي مجموعة كبيرة ومتنوعة من الرسومات الصخرية، منها ما يجسد مناظر حيوانية، وبشرية، ونباتية، ورمزية، ونقوش تاريخية وثمودية وخاصة في جبل أم سنمان، حيث كانت هذه المنطقة بحيرة قديمة ترك سكانها العديد من النقوش حول حياتهم يعود تاريخها إلى القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد، جميعها تعكس موضوعات مهمة من تاريخ إنسان المنطقة، وجوانب من حياته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. فيما يقع موقع الشويمس في الجنوب الغربي من منطقة حائل على مسافة 270 كيلو متراً تقريباً، وتنتشر فيه الرسوم الصخرية العديدة للاشكال الحيوانية والآدمية والنباتية والرمزية على واجهات الجبال الموجودة في جميع أنحاء المنطقة وخاصة في رابط والمنجور اللذان كانا واديين، ويحتوي الموقع على رسومات لحيوانات يعود تاريخها إلى ما قبل التاريخ.
ولقد بذلت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني جهداً كبيراً في إبراز القيمة التراثية العالمية لهذه الرسوم والفنون الصخرية، حيث تم العمل على حماية الموقع، وتوفير المتطلبات التي اشترطتها منظمة اليونسكو لتسجيل الموقع، من بنية تحتية، وتهيئة طرق الوصول إليها، وتحديد مسارات الزيارة، وإنشاء مركز للزوار، ومعالجة التشويه البصري في الموقع، كما وفرت الهيئة أجهزة حديثة لرصد الرطوبة والمؤثرات الطبيعية، التي قد تشكل تأثيرات متلفة على الرسوم، وساهمت وزارة النقل في رصف طريق للموقع.
وجاء تقييم لجنة التراث العالمي للقيمة التراثية والتاريخية الاستثنائية لهذا الموقع كونه يحتوي على رسوم صخرية ونقوش مصاحبة لها تصور للحياة اليومية للإنسان في فترة ما قبل التاريخ، وأنواع النشاطات التي مارسها، مثل: أنشطة الصيد، والممارسات الدينية والعادات الاجتماعية، ويعود تاريخها لقرون عديدة قبل التاريخ وتشبه إلى حدٍّ كبيرٍ المدارس التجريدية التي ظهرت في القرن التاسع عشر الميلادي.
وتعدّ جبة أحد أهم وأكبر المواقع الأثرية في المملكة وفي الجزيرة العربية، فهي تقع على طريق القوافل القديم الرابط بين شرق البحر الأبيض المتوسط وهضبة نجد، وقد وصفتها آن بلنت قائلة: جبة من أغرب الأماكن في العالم، ومن أجملها .. واسمها يعني بئرا، يشرح موقعها، فهي تقع في تجويف أو بئر في النفود، ليس في الواقع فلجاً؛ لأن حوض جبة ذو مقاس مختلف تماما، ولا يشبه في شيء الانخفاضات التي تأخذ شكل حافر الحصان. ... وهو - على حدٍّ سواء، - فريد للغاية .. . وهو فضاء عارٍ في محيط الرمال وعلى انخفاض 400 أو 500 قدم تحت معدل المستوى، ويبلغ عرضه ثلاثة أميال تقريباً وهو في الواقع غور .. . وهناك من الدلائل ما يشير إلى أنه كان بحيرة فهناك علامات مائية واضحة على الصخور التي برزت من قراره فوق المدينة مباشرة. وغريب أن نقول: إن هناك حديثاً ما زال باقيا يقول: إن الماء وجد هناك فيما مضى. والعجيب هو كيف بقي هذا الفراغ خاليا من الرمل؟ أية قوة تلك التي تضع سوراً دون النفود وتمنع اكتساحه؟ وعندما تنظر عبر السبخة - أو قرار البحيرة الجاف - يبدو النفود كسور من الماء من المحتم أن يغرقها، ومع ذلك فلا تنتقل الرمال إلى الغور، وتبقى حدودها مضبوطة بدقة (بلنت، ص 149-150).
بلنت، الليدي آن. 1389هـ. رحلة إلى بلاد نجد. ترجمة محمد انعم غالب. الطبعة الثانية.
والمنطقة عبارة عن أرض لبحيرة قديمة تحيط بها كثبان النفود الكبير، وتعلوها من الغرب والجنوب جبال رسوبية تتمثل بأم سنمان وغوطا وشويحط وعنيزة. ولجبل أم سنمان قيمة تاريخية وتراثية إذ يحتضن نحو 5431 نقشاً بعضها يقال إنها تعود إلى العصر الحجري، وبعضها ثمودياً، كما يحتوي الجبل على 1944 رسماً لحيوانات مختلفة، مثل: الوعول، والفهود، والنعام، والأغنام، وكلاب الصيد، ومنها 1378 رسماً لجمال بأحجام وأشكال مختلفة، كما بلغ عدد الرسوم الآدمية 262 رسماً. وبالإضافة إلى القيمة التراثية الثقافية التي يتميز بها الجبل، فهو يتميز بقيمة تراثية طبيعية، وذلك بما يحويه من تشكيلات صخرية بادية المعالم، وأشهرها مجسم الأسد، وتشكيلات لوجوه رجال يرتدون عمائم والبعض يقول إنها تيجان، وهذه التشكيلات وغيرها العديد من الرسومات الحيوانية كان أهالي جبه يسمونها قديماً بحرس أم سنمان.
أ.د. عبد الناصر بن عبد الرحمن الزهراني - عميد كلية السياحة والآثار - جامعة الملك سعود