د. حسن بن فهد الهويمل
الصراع القائم في أصقاعنا العربية ثُلاثِيُّ الأَبعاد. صراع مصالح. وصراع عرقيات. وصراع [أيديولوجيات]. ولكل بُعْدٍ أناسه، وخطاباته، وعنفه، ومخادعاته. وعدله، واعتداءاته.
فمن أناسه من يعون أدوارهم، ومهماتهم، ويمارسون عملهم وفق [أَجِنْدَةٍ] وخرائط طريق، ثم لا يفرطون في شيء من ذلك.
ومنهم الظالمون لأمتهم، السابقون في الهلكة، البائعون أنفسهم، وأهليهم بأبخس الأثمان.
ومنهم البُلْهُ المغفَّلون المغرر بهم، الذين لايَدْرِي القاتلُ فيهم لماذا قَتَل، ولا المقتول فيهم لماذا قُتِل.
ومن وراء هؤلاء، وأولئك كتبة أشبه بالدعاة على أبواب جهنم، صرير أقلامهم كفحيح الأفاعي، لا تدري إلى أي نحلة ينتمون، ولا إلى أي فئة يتحيزون.
يوقدون الأحقاد، ويُعَمِّقون الضغائن، ويفرقون المتفرقين، ويَخْرِقُون السفينة.
إنهم كتبة جوف، تتنازعهم الشبهات. والشهوات، والأهواء. أمسكوا بعصم المستجدات، دون وعي. وجدوا أن تقويض شوامخ أمتهم لا يتم إلا بتلقي زيوف المنظمات العالمية المشبوهة كـ[الماسونية]، و[الصهيونية]، و[المجوسية].
لقد سربت لنا تلك المنظمات شبهات، وشهوات، واتهامات، يَدِبُّ أثرها في مفاصلنا كالخدر، ونثرت فوق مشاهدنا كل مغرياتها، من الأفكار الكاسيات، العاريات، المائلات. المميلات فتهافت عليها أولئك المرتابون، وأشاعوها مقتنعين بأنها القول الفصل، وفصل الخطاب.
ومحصلةُ هرائهم المفخخ أن التعليم عندنا، وحلقات تحفيظ القرآن، وسائر المؤسسات الدينية تشكل المصادر الرئيسة للإرهاب.
وأن تراث علمائنا كـ [ابن تيمية] يحرض على الفوضى، والقتال.
وأنَّ فتاوى مؤسساتنا تُضَيِّق الخِناق على أبنائنا، حتى لا يكون أمامهم إلا خيار التفجير.
بل تجاوز البعض منهم حدود المعقول، ووضع نسبة للإرهاب تفوق الثلث في الشعب السعودي.
وأعداؤنا [المجوس]، و[الصهاينة]، و[اللاعبون] المصلحيون، يتلقفون هذه الإطلاقات، ويحولونها إلى وثائق إدانة، يوهنون بها عزمات قادتنا، ويُفَتِّتون بها سياسة دولتنا، ويستنزفون بها طاقات ساستنا في كافة المحافل الدولية.
لقد حَذَّرتُ من هؤلاء الذين وصفتهم بـ[البراقشيين] وأكدت في أكثر من مقال على أنهم أضر على لحمتنا، وقوتنا من أعدائنا، وأبنت أن ما يجري في عالمنا تنفيذ دقيق لـ[أجِنْدَةٍ]، وخوارط طريق، أُحْكِم صُنْعَها في المحافل الغربية.
غباءُ أولئك الذي أرداهم، وزين لهم سوء أعمالهم، وأوحى لهم بأن أخصر الطرق لتنحية الصبغة الربانية، وإحلال ما سواها من صبغات متعددة، يكمن في ترسيخ الإشاعات المغرضة التي تؤكد على أن المؤسسات الدينية، والتربوية، والتعليمية في المملكة حواضن للتطرف، ومصادر للإرهاب.
وما درى أولئك المغسولو الأدمغة، الممسوخو الفكر أنهم بلحمهم، وشحمهم، وأجسادهم التي تشبه (الخُشُبُ المُسَنَّدَةِ) صَنِيعةُ تلك المؤسسات الدينية، والتربوية، والتعليمية في المملكة.
وما دروا أن رجالات الدولة، وأمراءها، وجنودها البواسل الصامدين على الثغور بعض مخرجات تلك المؤسسات.
وما دروا أننا منذ عهد المؤسس رحمه الله متصالحون مع حلفائنا الغربيين، وأنهم يجوبون الصحارى آمنين مطمئنين، لا يرافقهم إلا الأدلاء.
نحن لا ننكر أن فينا سَمَّاعين للشر، مسرعين في الفتن، مبادرين إلى الغيلة، والتفجير.
ولا ننكر أن في سجوننا المئات من المذنبين، المصرين على الحنث العظيم، و أن بيننا خلايا نائمة، ترقب الثغرات، وتنتهز الفرص.
ولكننا مع هذا، لسنا بدعاً في سياقنا العربي، والعالمي. بل نكاد نكون أفضل من غيرنا.
فالشعب السعودي بجامعاته، ومبتعثيه، ونخبه الواعية، وسائر مؤسساته، وبتماسك جبهته الداخلية يقدم أروع الأمثلة، وأقوى الشواهد على أنه مأرز الوعي، وبقية الحق.
وما نشاهده من ظواهر العنف، والتطرف، والإرهاب نواتج حروب عدوانية، ولعب قذرة أكلت الرطب واليابس، وأهلكت الحرث والنسل، وهيجت المشاعر. فكان ما نحن فيه.
وفي ظل الواقع المأزوم لابد من وضع حد لهذا التجني، لا يتمثل بالقتل، ولا بالصلب، بل ولا بالمنع، ولا بالسجن، ولا بأي تصرف يحسم الخلاف بالقوة. وإنما بالمواجهة، والحجاج المعرفي، والمساءلة، وطلب البراهين.
وحين لا يملكون شيئاً من هذا، يحاسبون حساباً عسيراً، يرد الكيد في النحور، ويقطع دابر الشرور، ويمكن ساستنا، ومناديبنا في هيئات الأمم، وكتابنا العارفين ببواطن الأمور من مواجهة الأعداء دون مُخَذِّلات.
إن لسان حالنا مع أولئك يجسده قول الشاعر:-
[لَقَدْ كُنْتُ أَرْجُو مِنْكُمُ خَيْرَ نَاصِرٍ:.
عَلىَ حِين خُذْلانِ اليَمِيْنِ شَمَالُها
فإِنْ كُنْتُمُوا لَا تَحْفَظُونَ مَوَدَّتِي:.
ذِمَاماً فَكُوُنوا لا عَلَيْها وَلا لَهَا
قِفُوا وِقفَةَ المَعذُوِر عَنِّي بَمَعزل:.
وخَلوُّا نِبَالِيَ لِلْعِدَا وَنبَالَها]
هذا الصنف الانتهازي، لا يقف على الحياد، حين لا يحمله المصير المشترك على التصدي، والصمود.
ما يوده الإسلاميون الوسطيون المعتدلون المتسامحون المجاهدون بالكلمة الطيبة {صِبْغَةَ الله} على مراد الله، بعيداً عن رؤية [الأيديولوجيات] المتعددة الانتماءات، والمتنوعة المفاهيم الخاطئة. هذه الصبغة تضمن لإنسانها القوة الحسية والمعنوية، وتستوعب كل المستجدات المُجْدِيَةِ. وتُقِيلُ العثرات. وتقضي على الفوات الحضاري والمادي، وتمكن من التفاعل، والتعايش بندية.
وما يوده المستغربون المتذيلون [صِبْغَةَ المدنية المادية] على مراد الفكر الغربي، المتلبس بـ [الأيديولوجيات] الحزبية:- {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.
ولكي تتحقق الصبغة الربانية، فإنه لابد من إعادة النظر في كل شيء. وقبول النقد، والمساءلة بروح واثقة، باحثة عن الحق، والتخلي عن احتكار الحقيقة المطلقة، وممارسة الاقصاء، والاستعداء.