عروبة المنيف
حدثتني إحدى الصديقات على الهاتف بعد أيام من وفاة الشهيدة هيلة العريني على أيدي «توأمها»، لقد كانت تلك الصديقة خائفة، متوترة، مرتابة من ملاحظة أبداها «ولدها» ابن الستة عشر ربيعًا فيما يخص سلامة عقيدة والدته، فقد أبلغها بأنه قد أخذ عليها عدم التزامها بأداء صلاة التراويح في المسجد المجاور في رمضان! متسائلاً عن سبب تقاعسها غير المبرر في أداء هذه النافلة المهمة! إلى الدرجة التي اعترفت لي بأنها أصبحت تقفل باب غرفتها عليها عندما تنام أو عندما تختلى بنفسها خوفًا على نفسها من أن يكون ولدها المراهق قد تأثر هو أيضًا بذلك الفكر المتطرف، وقد أصبحت تستغل الفرصة أيضًا بين الفينة والأخرى من أجل فتح حوارات عقدية فكرية معه لتتحقق من توجهاته الدينية ومن مدى سلامة فكره وإتزانه العقدي.
إن وصول الإرهاب إلى عقر دارنا، إلى اغتيال قلب البيت النابض بأيدي من خفق فرحًا بقدومهم لهذه الحياة، يجعلنا نفكر في أن نطالب الجهات الأمنية -وهذا غير ممكن- بتخصيص رجل أمن في كل منزل ليحمي أفراد الأسرة من بعضهم البعض والعياذ بالله!.
بعد كل تلك الحوادث الأسرية التي مرت على مجتمعنا، حيث قتل الابن أباه والولد أمه والأخ أخاه وابن الأخت خاله وابن العم ابن عمه..!، هل نلوم تلك الأم المذعورة من ردة فعلها عندما وجه إليها ولدها اللوم في عدم التزامها بأداء النافلة؟، وخصوصًا أن جميع أسباب الإغتيالات الأسرية التي حدثت مؤخرًا في مجتمعنا كانت بسبب التطرف الديني والانحراف العقدي الفكري الذي نسب إلى «داعش»، وذلك حسب التصريحات الإعلامية التي أطلعتنا عليها وسائل الإعلام المختلفة بما فيها حادثة اغتيال الأم التي هزت المجتمع بأكمله!، حتى بتنا نتساءل هل «داعش» تعيش معنا في المنزل؟ هل تنام معنا؟ وهل تأكل معنا؟ فقد أصبح ذلك البعبع المدعو «داعش» يؤرق منامنا ومعاشنا.
عندما كان الإرهاب في الشارع وكانت الجهات الأمنية تطارد الإرهابيين في أوكارهم كنا نثني على «الأمن والأمان» ولكن عندما انسل الإرهاب داخلاً إلى بيوتنا وأصبح خنجره مسلطًا على كل فرد في الأسرة بدأنا ننتفض مذعورين من بعضنا البعض! إنها ظاهرة مخيفة عندما لا يأمن أعضاء الأسرة بعضهن بعضًا!.
القضية عميقة جدًا ومؤلمة جدًا بعمق وإيلام الخنجر الذي غرز في خاصرة تلك الأم الشهيدة، ما يستدعي إعادة النظر، في موروثنا الثقافي والديني، في التفسيرات المتداولة للنصوص الدينية، في الفتاوى، في الفقه، فلا يعتمد على المشايخ والفقهاء فقط بل يشرك علماء النفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة في تلك المراجعة أيضًا بحيث تكون على أوسع نطاق، سواء على المستوى القطري أو القومي أو العالمي، ولتتصدر المملكة في تلك النقلة الحداثية للدين الإسلامي ولتمسك بشعلة التغيير بصفتها مركزًا للحرمين الشريفين ومنبعًا للرسالة المحمدية، ذلك التحديث الذي يتلاءم مع روح العصر ومع متطلبات الأجيال الصاعدة ومع تداعيات المرحلة المعاصرة وتعقيداتها وتحدياتها مع الالتزام بما ورد في القرآن والسنة، فالإرهاب قد ضرب أطنابه في أرجاء الكون وأصابع الاتهام مسلطة علينا وعلى عقيدتنا وعلى ديننا الذي تعرض للتشويه والتحريف عن مواضعه.