إبراهيم السماعيل
يكفي أن ننظر إلى ما حصل في العراق بعد الغزو الأمريكي لنعرف ماذا يدَبّر لسوريا الآن، فالحدثان متشابهان في المقاصد والأهداف حتى وإن كان ظاهر الأمر يشير إلى غير ذلك، فما أشبه الليلة بالبارحة.
إن الشرق الأوسط الجديد الذي تريده الولايات المتحدة يعتمد على تغليب الأقليات فيه بشكل واضح ولسبب وجيه وبسيط وهو أن هذه الأقليات لم تشكل ولن تشكل خطراً على مشاريع الغرب في المنطقة منذ الحروب الصليبية على الرغم من ادّعاء هذه الأقليات عكس ذلك، فالتاريخ علّمنا أن أهداف الفرس الإستراتيجية في المنطقة دائماً ما كانت تتكامل مع أهداف الغزاة منذ غزو التتار لبغداد ودور الفرس والأقليات فيه مروراً بتحالف الفرس الصفويين مع البرتغاليين ضد الدولة العثمانية وصولاً إلى الحلف غير المعلن بين الفرس وأتباعهم من الأقليات والغرب الآن.
بالأمس القريب وتحديداً في عام 2003 غزت الولايات المتحدة الأميركية واحتلت العراق تحت ذرائع شتى كلها ثبت كذبها وزيفها بلا استثناء، من أسلحة الدمار الشامل إلى دعم الإرهاب والضلوع بشكلٍ غير مباشر في أحداث 11 سبتمبر الإرهابية في أمريكا، وكذلك ثبت كذب وخداع الولايات المتحدة في ادّعائها أن أحد أهداف الغزو هو نشر الديمقراطية وإعطاء الشعب العراقي حريته، حيث ثبت أن الاحتلالين الأميركي والإيراني للعراق لا يمكن أن يكون هناك ما هو أكثر كارثية وتدميراً للعراق وللشعب العراقي منهما ويكفي أن تنظر الآن لوضع العراق البائس والكارثي لتلمس الدليل الحي على ما نقول، وقد رافق الغزو والاحتلال الأميركي غزو واحتلال إيراني عن طريق عملاء إيران من الشيعة العراقيين الذين دخلوا العراق مع القوات الأميركية الغازية، كذلك فإن الغزو الأميركي تم بتنسيق ودعم من إيران، وقد أشار إلى هذا الدعم والتنسيق الإيراني مع الولايات المتحدة قبل الغزو وأثناء الغزو كلٌّ من المرشد الإيراني والرئيس الإيراني السابق في مناسبات علنية كثيرة.
وعلى العموم فإن الاستهداف الغربي والأميركي تحديداً للعراق لم يكن حديثاً فجذوره تعود إلى بداية السبعينيات الميلادية من القرن الماضي عندما أمم صدام حسين النفط في العراق، ولنا في الانقلاب التي دبرته المخابرات الأميركية في خمسينيات القرن الماضي على مصدّق في إيران مثلاً وسابقه عندما تجرأ مصدّق وأمم النفط الإيراني حينها قامت أمريكا باقتلاعه وإعادة الشاه إلى طهران من منفاه.
ما يهمنا هنا هو أن النتيجة النهائية لهذا الغزو أدت إلى اقتلاع طاغية سني وتسليم حكم العراق إلى عصابات ومرتزقة إيران من الطائفيين العراقيين الشيعة، والأكثر أهميةً هو مقارنة هذا الاقتلاع ونتائجه بما يحدث في سوريا الآن من استماتة غربية في محاولة لتثبيت طاغية طائفي يحاول الشعب السوري اقتلاعه على الرغم من أن المقارنة هنا قد تبدو معكوسة إلا أن النتيجة النهائية متشابهة، بل متطابقة، حيث إن الاقتلاع في العراق أتى لمصلحة الأقليات الطائفية الأكثر وحشيةً وطغياناً وحقداً من صدام حسين ومحاولة تثبيت الحاكم الطاغية في سوريا هو أيضاً لمصلحة المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والأقليات الطائفية المدعومة من إيران، بغض النظر عن فقاعات أميركا الكلامية المنددة بالطاغية في سوريا والداعمة لثورة الشعب السوري فما يعنينا هنا هو الأفعال وليس الأقوال، حيث إن كل أفعال الولايات المتحدة الأميركية حيال ثورة الشعب السوري منذ بدايتها تكذب أقوالها ولقد فصلنا هذا في مقالات كثيرة سابقة فلا داعي لذكرها الآن، وعلى العموم فإن المتابع لما يحدث في العراق وسوريا وربما اليمن لن يحتاج إلى الكثير من العناء لاكتشاف هذا التواطؤ إن لم يمكن التآمر الأميركي مع إيران ومع الأقليات الطائفية التابعة لها في المنطقة.
الأكيد هنا هو أوجه التشابه إن لم يكن التطابق في الأهداف النهائية للإستراتيجية الأمريكية حيال العراق وسوريا، حيث إن كل الجهود والخداع الأميركي في الكارثة السورية تهدف إلى منع سقوط حكم الأقلية الطائفية في هذا البلد ومنع السقوط هذا سوف يؤدي في نهاية الأمر لتكريس مبدأ تغليب الأقليات الطائفية المدعومة من إيران في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن والذي يتطابق مع الإستراتيجية الأمريكية الأوسع والهادفة إلى وأد وحرف مسار ثورات الربيع العربي بدأ من تونس مروراً بليبيا ومصر وصولاً إلى سوريا واليمن الآن.
إن تصريحات خامنئي في بداية الثورة السورية عندما قال لأحد الصحفيين (إما أن تكون سوريا كما كانت قبل الثورة أي تحت حكم الأقليات الطائفية التابعة لإيران أو لا تكون لأحد) كذلك عندما قال وزير خارجية الأسد وليد المعلم في بداية الثورة السورية لوفد الجامعة العربية بتهكم واضح (أن على الوفد أن يحضر معه مايوهات سباحة، حيث إنه سوف يغرقهم بالتفاصيل)، إن كل هذه الوقاحة لم تكن مرتكزة على قوة إيران ولا على قوة دميتها في دمشق ولا حتى على ضعف وفرقة عرب المنطقة، بل إن مرتكزها الأساس كان وما زال هو الدعم الأمريكي غير المسبوق وإن كان ماكراً وغير مباشر لهذه الأقليات وعرّابها الإيراني.
من هنا يتبيّن أن توحّش وعنتريات إيران وعملائها الطائفيين في المنطقة وضربهم عرض الحائط بكل القرارات الدولية واستغلالهم المؤتمرات الكثيرة الهادفة لمزيد من الخداع وكسب الوقت لإنهاك وهزيمة المناوئين للمشروع الإيراني في المنطقة لم يأت من فراغ حيث إنهم يتكئون على الدعم والتواطؤ والتآمر الأمريكي الحاسم معهم والذي كان مستتراً في البداية فأصبح اليوم مكشوفاً، وكما يُقال من أمن العقوبة أساء الأدب.