د. محمد البشر
اسم يطلق على أولئك المسلمين الذين بقوا تحت حكم إسبانيا النصرانية، بعد سقوط مدنهم، وقراهم، في أيدي حكامهم الجدد، بعد أن كانوا يعيشون تحت حكم إسبانيا المسلمة قرون عديدة، وقد آثروا البقاء بسبب أسرى، أو لظروف اقتصادية، أو اجتماعية، ولفظ المدجنون جاء من الفعل دجن وتدجن أي أقام، واستقر، ومصدره الدجن والتدجين، واسم مفعوله مدجن، فقد دجنهم حكام إسبانيا النصارى ليعيشوا تحت كنفهم، وقد ظلوا كذلك مدداً متفاوتة، طبقاً لتاريخ سقوط المدن والقرى التي كانوا يقطنونها.
الواقع أن إسبانيا المسلمة التي كانت مسيطرة على جميع أرض الجزية الاليبرية، عدا ثغور هنا أو هناك في أعالي الجبال، قد أخذت في فقد أجزاء كبيرة من أراضيها في فترات متعاقبة، وكانت ظاهرة الأفول قد بدت بعد تولي عبدالرحمن شنجول ابن الحاجب المنصور بن ابي عامر، شؤون البلاد واعلانه المبايعة له بولاية العهد، من قبل الخليفة هشام المؤيد الاموي، أي أن حكم البلاد قد انتزع من بني أمية، ليقع في يد ابن أبي عامر، وهو لا يرقى في نسبه إلى البيت الأموي، كما أن أمه هي ابنة سانجو غرنسيه، ملك بافاريا, العدو اللدود للمسلمين.
لقد تقسمت البلاد الإسبانية المسلمة إلى طوائف، وأخذت في التناحر، ومن ثم بدأ سقوط المدن الإسلامية الأندلسية العظيمة، فسقطت طليطلة مفخرة المسلمين والمسيحيين الإسبان على السواء، وذلك عام 478هـ، الموافق 1085م أي قبل سقوط الأندلس الأخير بنحو أربعمائة عام، وهناك من المسلمين من ترك طليطلة، وما حولها، ولجأ إلى المدن الإسبانية الأخرى، ومنهم من تدجن، وبقي على اسلامه، في ظل حكم النصارى، وأصبح مدجناً.
قدم المرابطون إلى الأندلس نصراً للدين، أو طمعاً في الدنيا، أو هما معاً، ولكنهم رغم محافظتهم على ما بقي من حواضر إسلامية ، وإرجائهم سقوط ما بقى إلى حين، لم يستطيعوا انتزاع الأراضي الإسلامية التي اغتصبها النصارى، وفي نهاية عصر المرابطين سقطت سرقسطة في عام 512هـ الموافق 1118م، ثم عدد غير قليل من المدن مثلا لاردة، وافراغة، ومكناسة، وطرطوسة عام 542هـ -544 هـ الموافق 1148-1149 م، وفي الفترة ذاتها سقطت في غرب الأندلس « البرتغال» أشبونة، وشنترة، وشنترين، كما سقطت باجه في عام 556هـ الموافق 1161م، وبعدها مدينة بايره عام 561هـ الموافق 1165م.
بعد تولي الموحدون حكم المغرب، ودخولهم إلى الأندلس حلت بالمسلمين موقعة العقاب المشهورة عام 609هـ، وبعدها خسر المسلمون معظم مدنهم وقراهم، في نحو أربعين عاماً، وزاد عدد المدجنين في بلاد النصارى، وأصبحوا يشكلون أقلية مهمة، يعملون عبيداً، ومهنيين، وحمالين، ومزارعين ماهرين.
لم يبق سوى غرناطة التي صمدت لمدة مائتين وخمسين عاماً أخرى، وكان مؤسسها ابن الأحمر، قد تعاون مع النصارى في سقوط عدد من المدن المهمة مثل قرطبة عام 633هـ الموافق 1236م، واشبيلية بشكل جلي عام 646هـ الموافق 1248م.
لم يكن لفظ المدجنين شائعاً، الا بعد أن كثر سقوط المدن الإسلامية، وبقاء عدد غير قليل من المسلمين تحت حكم النصارى، وكان معظم المدجنين في شرق الاندلس، لاسيما بلنسية، ومرسية، وقد عاشوا في كنف الحكام الجدد في أمن وطمأنينة غير مكتملة، محتفظين بدينهم، ومساجدهم، وكتبهم، وكان لهم في بادي الامر محاكم خاصة بهم، وأما المنازعات التي تقع بين المسلمين والنصارى، فكان ينتدب لها قاضي مسلم، وآخر نصراني ليبتوا في الأمر، ولم يرهقهم الحكم الجديد بمزيد من الضرائب، وإنما الزمهم بدفع الضرائب التي كانوا يدفعونها لحاكمهم المسلم قبل السقوط، لكن ذلك الامتياز لم يدم طويلاً، وأصدر الفونسو العاشر عام 1254م لسكان أشبيلية امتيازا يخولهم حق شراء الأراضي من المسلمين، وهذا يدل على أن المسلمين ظلوا محتفظين بأراضيهم التي تحت أيديهم إبان الحكم الإسلامي، وأصبح لهم حق شراء وبيع العقارات، مما أصبح منهم بعض ميسوري الحال.