رمضان جريدي العنزي
نحن الآن بحاجة ملحة وماسة للتوسع في المفردات اللغوية المرتبطة بالإرهاب المروري الذي يحدث عندنا، وبأمس الحاجة والإلحاح لرفد قاموسنا المروري بلغة صريحة شفافة وواضحة، بحيث تكون لنا القدرة على مواكبة ما يحدث من حوادث بشعة ومؤلمة ومأساوية، علينا جميعاً أن نفتح نوافذ هذه القضية على مصراعيها، بلا تردد ولا خوف ولا وجل، لأنها قضية حياة وبقاء ووجود وتحدٍّ، وعلينا أن نضع قدراتنا الفكرية واللغوية في صد هذا الإعصار الشرس المخيف، بعد أن خلف لنا الموتى والمعاقين بأعداد مهولة لا يصدقها عقل، أكثر بكثير من أعداد الموتى والمعاقين في الحروب، حسب التقارير الرسمية المعنية بهذا الشأن، ورسم لنا قصص مؤلمة دامعة بائسة وحزينة.
إن الواحد منا يحتاج إلى معجزة تخفف من رعبه حين يطلع على أعداد ما خلفه هذا الإرهاب المقيت من قتلى ومعاقين وخسائر مادية تحسب بالمليارات خلال السنوات القليلة الماضية فقط، وسوف يتساءل بمرارة ودهشة وأسى من سمح لنفسه بارتكاب تلك الحماقات في حق المجتمع والوطن، لقد أصبح المواطن والمقيم مرعوب من السير في الشوارع الداخلية وفي الطرقات بين المدن، لأنه أصبح مسكون بهلع القيادة وفوبيا المجهول، من البعض الذين يقودون المركبات بتهور والذين يشبهون مصاصي الدماء، وخفافيش الليل، حتى أنهم أصبحوا خبراء في التهور وعدم اللامبالاة ونقص تام بالعقل وبالمسؤولية، مخلوقات عجيبة عابثة تقود مركباتها بسرعة جنونية تبعث في النفس الخوف والرعب والأسى، أنا دائماً عاجز عن تصديق أفعالهم المتهورة، وأذاهم القاتل، وتصرفاتهم الحمقاء، وقيادتهم المجنونة، فهم لم يتركوا محطة زمنية إلا وشغلوها بما يشهد بأنهم ليسوا أهلاً لقيادة المركبات مطلقاً، أن القيادة فن وذوق وأخلاق وسلوك حسن وتصرف سليم، وما عدا ذلك فهي ممارسة كارثية بحته، وفعل جنوني، لقد أجتاحنا هؤلاء بقوة عن سابق رصد وترصد، وأعلنوا الحرب العاتية علينا، بلا رحمة ولا شفقة ولا هوادة ولا احترام، أن الإرهاب المروري عندنا أصبح أشد من إرهاب الحروب والكوارث وإختلال المناخات، بل سكاكين وسيوف وخناجر أكثر جدة وحدة وأشد وقعاً وألماً، بل وفي الواقع أبشع شكلاً وحالاً وصورة، أن الإرهاب المروري الذي نعانية متعدد الشكل والأوجه، كما أنه مائع ومطاط وسائل هلامي، تماماً كما الإرهاب الذي يشن باسم الحروب المقدسة، أنه انتهاك للحياة، وهدر للطاقات، وقمع للتطلعات، إن الإرهاب المروري في تصور البعض مثل المرايا المقعرة، يرى فيها كل شيء على غير حجمه وطبيعته، ولا داعي للقلق! مخطي من يرى هذه القضية الهامة والخطيرة جداً كلها من منظور المرايا المقعرة، أن الإرهاب المروري المجنون الذي يحدث عندنا بشكل يومي يستحق منا الأرق والسهاد والتوتر والقلق، فنحن مصابونا به، حقيقة بشعة يجب أن تصدق، وعلينا إعادة أنظمتنا المرورية أو تفعيلها بشكل فوري وجدي وبلا جدال أو هزال، من حقنا أن نطالب بذلك مراراً نكرر ونلح، فالإرهاب مصيبة والمصيبة عظيمة، بعد أن تحولت شوارعنا وطرقاتنا إلى ساحة عبث مرير، وقتل مخيف، يتجاذب فيها السائقون مستعرضين عضلاتهم ومقدراتهم الاحترافية القاتلة بهدوء غير حذر وبلا خوف، ضاربين بعرض الحائط أسط أبجديات الأخلاق والسلوك في القيادة، لمعرفتهم السابقة بوهن وضعف الإجراءات التي ستتخذ بحقهم حال القبض عليهم، أن الواقف خلف النافذة، يتمعن بالشمس وبالغيوم وخيوط المطر ويراقب أسراب الطيور، ليس بالقائد للسيارة بأعصاب مشدودة، وفكر مشتت يشوبه الهلع، وعلى المرور كجهة مباشرة ومسؤولة ومنظمة لهذا الشيء، أن توقف أراقة الدماء النازفة بالأساليب كافة الممكنة وغير الممكنة والمستحيلة، كثيراً هي الملفات التي تحتمل التأجيل، إلا هذا الملف لا يحتمل التأجيل حتى لبرهة لعظم شأنه، وكبر حجمة، وهول مصائبة، ونتائجة الفادحة، أنه كما على المرور مسؤولية عظيمة، على الإدارات الأخرى والأسر والمدارس والجامعات والوعاظ وخطباء الجمع في المساجد، تحمل المسؤولية كاملة مع المرور للقضاء على هذه الآفة الخطيرة، وإسقاط هذا الإرهاب المشين، أن تكاتف الجميع سيقضي على هذا الإرهاب الأسود الذي أصاب مجتمعنا بمقتل، أن هذا لإرهاب ممكن التغلب عليه وذلك بتفعيل القوانين ووضع الخطط المرورية الصحيحة الفاعلة، والعمل الجماعي المشترك، وتسريع تشريع قانون العقاب والمحاكمة، أن التهاون أو التكاسل في البدء الفور للقضاء على مصيبة هذا الإرهاب الحاد وفق أي تبرير أو نظرية، يؤدي إلى مزيداً من الموت والإعاقة والتشويه والحزن والدموع والأسى.