الزهرة الغلبي
فكَّرت كثيراً قبل أن أكتب هذه الأسطر من أجل تناول مسألة في غاية الأهمية، وهي طريقة تعامل النقابي مع الإعلام الرقمي، في ظل عصر المعرفة الذي يجب أن ندرك من خلاله فحوى ما نتلقاه؛ لأن الوسائل متعددة والمواد الإعلامية أيضاً تعددت، وتترتب بين الجيدة والمتوسطة والرديئة. وهذا الاختلاف ناتج من تعدد المرسلين الإعلاميين الذين كانوا سابقاً متلقين سلبيين، يأخذون المعلومة دون أن تُمنح لهم فرصة قبولها أو رفضها. والفضل في ذلك يعود للإعلام الرقمي الذي يعتمد التكنولوجيا الرقمية، مثل الفيديو والصوت والنصوص وغيرها؛ فهو العملية التي يتم فيها الاتصال عن بعد بين أطراف يتبادلون الأدوار في بث الرسائل الاتصالية المتنوعة واستقبالها من خلال النظم الرقمية ووسائلها لتحقيق غاية نقابية معينة، وبهذا فهو يشمل كل وسائل الإعلام التي تعمل وفق هذه النظم، بما فيها التلفزيون التفاعلي أو غير التفاعلي في إنتاج المضامين الإعلامية. (حسنين شفيق، الإعلام الجديد. ص53).
لذا يجب على النقابي الإعلامي أن يستحضر أثناء نشره مادة معينة هذه النظم ومدى تأثيرها في الساحة النقابية والاجتماعية والسياسية، ويجب أن يحسن انتقاء ما يتم تشاركه مع باقي الأعضاء المنخرطين. وفي هذا الإطار تأتي هذه الورقة للسعي من خلالها إلى توضيح تلك الجدلية التي توجد بين النقابي والإعلام الرقمي، وإلى أي مدى يتوفق هذا الأخير في تبليغ رسالته للطبقة العاملة التي بدورها أصبحت ناشرة ومروجة للمعلومة، لكن أية معلومة؟
تعتبر القضية العمالية من أهم محاور الإعلام النقابي؛ ففي تناولها إسماع لصوت الشغيلة، والدفاع عن حقوقها العادلة والمشروعة. وقد أصبح هذا النوع الإعلامي أداة تواصل جماهيرية، ووسيلة للتعريف بمشاكلهم ومطالبهم، وكذا أداة لمواجهة أرباب العمل أو الحكومة في حالة وجود معارك نضالية معينة ووقفات احتجاجية ومسيرات عمالية، وجميع الأشكال النضالية من الشارة إلى الإضراب..
والإعلام يتطور باستمرار وبتنوع، بما يصعب على الفرد غير المتتبع مواكبة نموه؛ الأمر الذي قد يسقطه في هفوات النشر؛ إذ يتم أحياناً نشر ما لا يجب نشره، مثلما يدخل في إطار ما هو تنظيمي داخل المنظمة التي ينتمي إليها الإعلامي النقابي، ويتم تداول الوثيقة التي كانت بالأمس تدخل في نطاق الوثائق التي يجب أن تظل خاصة حفاظاً على توجه النقابة، وكذا مصلحة العامل أو الأجير، فيتم تداولها على نطاق واسع معتبراً إياها النقابي معلومة لا حرج عليها، وكأن كل إعلامي نقابي غير متمكن أصبح بمنزلة ويكيليكس (وهي منظمة دولية غير ربحية تنشر تقارير وسائل الإعلام الخاصة والسرية من مصادر صحفية وتسريبات إخبارية مجهولة). لكن الفرق بين ويكيليكس وبعض النقابيين الإعلاميين أنهم ينشرون الخصوصي وغيره. فعوضاً عن أن يعيدوا النظر في طريقة نضالهم بالنزول إلى ميدان المعارك أصبحوا يروجون ويتكلمون ويغردون من خلال مواقع التواصل الاجتماعية، وغائبين عن ساحة النضال. وهذا لا يعكس عدم وجود نقابيين مناضلين بل هناك من لا يزال يحمل همّ القضية العمالية داخل كيانه الشخصي، ويدافع عنها في المنابر الإعلامية وغير الإعلامية.
ولا أتحدث من خلال هذا المقال عن النصوص فقط، بل الصورة أيضاً التي تُظهر أحداثاً ذات أهمية تاريخية، لا يمكن إعادة تمثليها، ولاسيما الخاصة بالقيادة النقابية باعتبارها شخصية معنوية، يجب انتقاؤها بنجاح، وعدم نشر بعض الصور غير الجيدة، بل تحميل النسخ التي تنتج بدرجة وضوح عالية؛ إذ يجب التفكير بعناية قبل نشرها. ونحن نعلم التأثير القوي لما ينشر إلكترونياً أكثر منه ورقياً؛ إذ يحفظ في ذاكرة الأرشيف العالمية.
وبهذا، سواء كان النشر يتضمن نصوصاً أو صوراً أو فيديوهات، يجب أن نحسن اختياره بدقة لغاية ما، مع التشديد على النشر الذي يتضمن رسالة هادفة باستحضار عناصر الخبر التي لخصها «هارولد لازوال» في: «من يقول ماذا وبأي وسيلة وبأي أثر». وبهذا يتم تدارك أهمية عناصر النشر الإعلامي النقابي، سواء الرقمي أو المكتوب.