سمر المقرن
مهما اختلفت التوجهات وتباينت الآراء، فإن معظم الناس يُجمع على أهمية حرية التعبير التي تعتبر ركيزة أساسية للتنمية وترميم فكر الحاضر وبناء فكر المستقبل، إضافة إلى كونها داعماً رئيساً لمحاربة الفساد. وإن عدنا إلى دراسات وبحوث علمية متخصصة في هذا المجال سنجد في أغلب نتائجها أن انخفاض الحريات الإعلامية يرفع من وتيرة الفساد بسبب انخفاض عملية المراقبة من خلال السلطة الرابعة.
هذا إذا وجدنا قائمين مستنيرين على وسائل السلطة الرابعة، المشكلة «محليًا» تكمن من وجهة نظري في قصور الوعي لدى -بعض- العاملين في وسائل الإعلام، وبدأ يتضح هذا القصور من خلال بعض الصحف الإلكترونية التي ساهمت في السنوات الأخيرة بشكل كبير في انتشار الشائعات وتحفيز السطحية لدى المتلقي، أنا هنا لا أتحدث عن مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، إنما أتحدث عن وسائل إعلامية تنشر أخبارها وتقاريرها بعد حصولها على تراخيص من وزارة الثقافة والإعلام، لذا تُعد جهات إخبارية موثوقة، وفي واقعها هي بحاجة إلى مراجعة وإصلاح تنظيمي، وقبل هذا التأكد من مستوى وعي القائمين عليها لامتلاكهم أداة مؤثرة، وبالتالي سيكون التأثير مباشر على العقل المجتمعي وتوجيهه سلبًا أو إيجابًا.
وإن كنّا نبحث عن دور إعلامي متكامل قادر على أن يساهم في عملية التنمية فعلينا ضمان وسائل إعلامية مستقلة وتمتلك المصداقية والمهنية في نقل الخبر وصناعة التقرير وبناء التحقيق الصحافي ونزاهة عامود الرأي.
غدًا يوافق اليوم العالمي لحرية الصحافة، وتماشيًا مع هذه المناسبة المهمة أدعو الجميع إلى التفاعل برفع الوعي أولاً، فالمجتمع الواعي لا ينشر الشائعات وقادر بإدراكه على وأدها في مهدها، أضف إلى هذا، أن الوعي والدور الذي يقع على وسائل الإعلام في رفعه، قادر على تمييز الأحداث السياسية وفهم وإدراك الدسائس التي يحاول بثها الأعداء سواء كنّا في حالة حرب كما هي المرحلة التي نمر فيها حاليًا، أو في حالة حرب فكرية وحزبية مستمرة يحاول اللعب على وترها أعداؤنا والكارهون لأمننا.
إن الدور الإعلامي بحاجة إلى تنشيط وتغيير واستبدال الرتم الذي ما زال مستمرًا عليه منذ سنوات طويلة، فالمعطيات تغيرت، والأحداث سريعًا ما تتبدل، وهذا كلّه بحاجة إلى إعلام قادر على توجيه العقل المجتمعي إلى الجهة الصحيحة.
إن منح وسائل الإعلام الحرية المنضبطة سيكون هذا داعماً أساسياً لوعي مجتمعي لا يضطر اللجوء إلى مواقع تتلاعب بالأخبار وتوجهها حسب أيدولجياتها ومصالحها.
كما أن هذا بمقدوره على تحفيز الثقة لدى المتلقي وإيجاد قارئ ناضج قادر على التمييز بين البضاعة الإعلامية الرديئة والجيدة، كما أن الحرية الإعلامية بمقدورها تقليص دور وسائل الإعلام المشبوهة وحتى الحسابات المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي ومنها كثير يعمل لصالح دول لا تريد لنا الخير وأحزاب همها بث البلبلة والسلبية التي تقلل من ثقة القارئ بوسائل الإعلام الرسمية والموثوقة.
غدًا اليوم العالمي لحرية الصحافة ولابد أن نتذكر أن هناك صحافيين من الجنسين فقدوا حريّاتهم وحياتهم في سبيل الكلمة الحرّة، فليس لمن أستشهد منّا إلا الدعاء بالرحمة والمغفرة.