يعتبر التغيير والتطوير في المنظمات سواء كانت مؤسسات حكومية أو في القطاع الخاص أساس استمرارها وازدهارها، فالمنظمات أمام خيار واحد وهو التطوير بشكل مستمر، بدونه تكون النهاية الحتمية، وهي تلاشي هذه المنظمات وإفلاسها، فالبيئة العملية في حالة تغير مستمر كالتقدم التقني، والصناعي، والتشريعي، بالإضافة إلى التنافسية بين المؤسسات مع بعضها البعض.
والمملكة العربية السعودية تمرّ بمرحلة تنموية في كافة القطاعات، كالقطاع التعليمي، والقطاع المالي، وقطاع المواصلات وغيرها. ومن أهم القرارات التطويرية مشروع تطوير الأنظمة في جميع الوزارات لتتواكب مع تحديات العصر. ولكن هذه المشروعات التطويرية تشكل تحدياً لمديري ومسؤولي التغيير والتطوير لاسيما أن فشل أي مشروع تغييري له عواقبه السلبية كالمال والجهد والوقت، خصوصاً أن أغلب المشروعات التطويرية تحتاج إلى سنوات من التخطيط والتنفيذ. إن نجاح أي مشروع تغييري في المنظمات لهدف تطويرها يعتمد بشكل رئيسي على مديري التغيير.
فالتغيير الناجح يعتمد -بعد الله سبحانه وتعالى- على ثلاثة عناصر أساسية هي: إدارة مضمون التغيير، إدارة مراقبة التغيير، وإدارة عملية التغيير، وكل عنصر من هذه العناصر يحتاج إلى أن يعطى حقه من العمل والاهتمام.. لكن هذه العناصر تختلف أولوية أهميتها بحسب نوع التغيير الذي هو على نوعين النوع الأول: وهو (التغيير الطفيف) الذي لا يتطرق بشكل كبير إلى الأسس الخمسة الأساسية في أي منظمة وهي: إستراتيجية المنظمة، الهيكل، الثقافة، توزيع القوى، ونظام المراقبة أما النوع الآخر فهو (التغيير الجذري ) وهو ما يغير الأسس الخمسة المذكورة -آنفاً- بشكل كبير.
فبالنسبة للنوع الأول (التغيير الطفيف) فأولوية مهام مسؤول التغيير تكون لإدارة مضمون التغيير، ثم إدارة مراقبة التغيير، وأخيراً إدارة عملية التغيير. أما (التغيير الجذري) الذي تعتبر نسبة نجاحه أقل بشكل كبير مقارنة بالتغيير الطفيف فأولوية مهام مسؤول التغيير تكون لإدارة عملية التغيير أولاً، تليها إدارة مراقبة التغيير، وأخيراً إدارة مضمون التغيير.
فبالنسبة لعنصر (إدارة عملية التغيير) فهو يعنى بالتركيز على التعامل مع الذين لهم علاقة بالتغيير أو ما يسمى (stakeholders) ويشمل جميع من له علاقة بالتغيير سواء كان يعمل في المنظمة كالقوى العاملة أو خارجها كالمستهلك والجهات الاستشارية، ويندرج تحت هذا العنصر أربع مهام فرعية وهي كالتالي:
أولاً: تكوين رؤية عن مستقبل المنظمة والتطلعات التي تنوي الإدارة العليا تحقيقها.
ثانياً: تشكيل فرق عمل وتوزيع الأدوار بين العاملين والمستقبلين للتغيير.
ثالثاً: التواصل مع كل من له علاقة بالتغيير وتزويدهم بالمستجدات وهذا مهم جداً لأن أحد أهم أسباب مقاومة التغيير من المستقبلين هو ضعف فهمهم لأهداف المشروع بسبب ضعف التواصل مع جميع من له علاقة بالتغيير.
رابعاً: عمل الإستراتيجيات للتغلب على المقاومة، وبالذات في مشروعات التغيير الجذري والتي من أهمها التعريف بأهمية التغيير.
فبالنسبة لعنصر (إدارة المراقبة)، فهو يشبه إلى حد كبير الدور التقليدي الذي يقوم به مديرو المشروعات من متابعة جودة المشروع وتكلفته وترتيب الجدول الزمني لمراحل المشروع، وهذا العنصر لا يحتاج إلى أن يكون المسؤول عنه على دراية تامة أو له خبرات في مجال إدارة التغيير بقدر ما يهم أن يكون على معرفة بإدارة المشروعات.
وبالنسبة لعنصر (إدارة مضمون التغيير) فهو يتطلب مشاركة خبراء في جوهر المشروع نفسه، فمثلاً المشروعات الهندسية تحتاج إلى إشراف مهندسين مختصين، ومشروعات نظم المعلومات الحاسوبية تتطلب مشاركة محللي النظم في المشروع، ومشروعات تشكيل الأنظمة القانونية ومراجعتها يتطلب تعاون مع خبراء قانونيين.
هذه العناصر الثلاثة اللازمة لإدارة مشروعات التغيير والتطوير في المنظمات تعتبر رئيسة ومهمة لنجاح أي مشروع تغيير، ويتطلب كل عنصر أن يعطيه مديرو التغيير حقه وأن لا يهمل عنصر على حساب الآخر. ولهذا.. فإن من أسباب النجاح في التغيير في بعض المنظمات هو أخذها في الاعتبار لأسس وعناصر التغيير التي تتطلبها عملية التغيير بخصائصها وسماتها الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والدولية.. وهذا ما تحرص عليه حكومة المملكة العربية السعودية، في أي نمط من أنماط التطوير والتغيير، وقد ظهر هذا الاهتمام في القرارات التطويرية والإستراتيجية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه-.
- طالب دكتوراه في بريطانيا تخصص - إدارة التغيير