الشارقة - خالد المشاري:
أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، على أهمية التواصل العمومي ممثلاً بوسائل الإعلام عامةً، والبرامج الجماهيرية المباشرة خاصةً، في تبادل الرسائل والمعلومات والتطلعات بين الحكومة والشعب، مشيراً سموه الى مدى اهتمامه الشخصي بهذه البرامج التي شهد من خلالها تطور طبيعة النقاش بين المواطن والمسؤول، مبيناً سموه أن النقاش كان يتسم بالعنف في البدايات، لكنه تطور اليوم ليصبح أكثر موضوعية نتيجة اطلاع الجمهور على كل ما يدور حوله من أحداث وتطورات. جاء ذلك خلال افتتاح سموه لأعمال الدورة الرابعة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2015، بحضور كل من سمو الشيخ عبدالله بن سالم القاسمي نائب حاكم الشارقة والرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان. واستهل صاحب السمو حاكم الشارقة كلمته بالترحيب بضيوف إمارة الشارقة الذين تكبدوا عناء السفر تلبيةً للدعوة لحضور منتدى الاتصال الحكومي، مرحباً بهم في ربوع إمارة الشارقة متمنياً لهم طيب الإقامة.
وحول مفهوم التواصل العمومي، بين سموه في كلمته أن التواصل العمومي هو تواصل له منفعة عامة، ويقوم به مهنيون يعملون في مؤسسات ويساهمون في تحسين أداء الخدمة العمومية.
وفي المقابل، يحتوي التواصل الحكومي على منزلقات كثيرة نتيجة خلط التواصل الانتخابي والتواصل السياسي ومرات بالدعاية للسلطة صاحبة ذلك التواصل.
وأما التواصل العمومي المتمثل بالبرامج الجماهيرية المباشرة، فهو يهدف إلى خدمة العموم من خلال تشجيع الحوار بين المسؤول والمجتمع المدني، وتسليط الضوء على التغيرات في سلوك العمل العمومي كالصحة والأمن والطرق وغيرها».
وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أن «التواصل الحكومي يحتوي على منزلقات كثيرة نتيجة حدوث خلط التواصل الانتخابي والتواصل السياسي»، مشيراً سموه أن «مثل هذه البرامج الجماهيرية مهمة لدفع السياسات الحكومية وتطويرها بهدف الاستثمار في المواطنين، ولإعلام المواطنين ووسائل الإعلام والمجتمع المدني بإنجازات المؤسسات الحكومية، والتعريف بالخدمات التي تقدمها السلطات الحكومية للمواطنين، وبالقرارات التي تتخذها من مراسيم وقوانين».
وأشار سموه إلى أن التواصل الحكومي يبدأ من السلطة إلى عامة الناس، أما البرامج الجماهيرية فتأخد طريقاً معاكساً يبدأ من عامة الناس إلى السلطة، ولذلك نطلق عليها اسم التواصل العمومي، موضحاً سموه أن الجماهير المعنية بالتواصل العمومي هم المواطنون والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، حيث إنه ينشط الحياة الديموقراطية من حيث التعريف بالسياسات العامة، واشراك المواطنين بالنقاش حولها، والعمل على تطوير سلوكهم من خلال تنظيم حملات الوقاية في ميادين الأمن والبيئة والصحة والحياة الاجتماعية».
وشدد سمو الحاكم على ضرورة التواصل الداخلي ومتابعة سير العمل في الإدارات وضمان مشاركة المواطنين في الخدمة العمومية لترسيخ قيم المواطنة ومساندة المبادرات الوطنية والتعريف بالجمعيات وبأنشطتها، وبالحياة الثقافية، والرياضية وكذلك شرح دور المؤسسات المختلفة للمواطنين.
كما ألقى فخامة الرئيس اللبناني الأسبق العماد ميشال سليمان كلمة شدد فيها على أهمية التواصل بين الحكومة والشعب، حيث قال: «إن تطور المجتمع في مجالي تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال، أثر بشكل فعال على أسلوب حياة الأفراد وقيمهم، وقال: «لقد دخل الإعلام المباشر وغير المباشر، إلى عقول البشر والبيوت وأماكن العمل، وإلى الحقل والمصنع والمؤسسة، وإلى الثكنة وحفر الجنود والخنادق، وأصبح الفرد يسمع ويرى المسؤولين يتوجهون إليه مباشرة، فلم يعد هناك دور للوسيط، وأصبح الفرد مجبراً على اتخاذ موقف معين بين طرفي نزاع، حتى من دون معرفته بأي طرف منهما».
وأشار فخامته إلى أن هذا التحول في السلوك العام، قد فرض تغيراً في طبيعة العلاقات بين الشريكين، الحكومة والجمهور، ورسم أسلوباً مميزاً في ممارسة الحكم يعتمد بشكل أساسي على الاتصال، حيث أكد على أن تحقيق الاتصال الناجح والمفيد بين الحكومة والشعب، لا يجد سبيلاً إلا عبر ممارسة مميزة عصرية تعتمد على اللامركزية والمشاركة والاتصال.
وعن اللامركزية في الحكم أوضح فخامته: «إن المركزية في الحكم ترهق الحكومات والقيادات، وتبعدهم عن الواقع الذي يعيشه الشعب، وبالتالي عن تكوين رؤية شاملة للأهداف، فيما تتيح اللامركزية، الاتصال اللصيق بالشعب وحاجاته وآرائه. واللامركزية في هذا المعنى، تخفف الأعباء عن الحكومة المركزية، وتحقق الليونة وتعمل على ربح الوقت وزيادة التحفيز، وتأتي قراراتها أكثر ملاءمة للأوضاع المتغيرة، وهي تتطلب أيضاً إشراك المختصين والمسؤولين والهيئات الشعبية في صنع القرارات». وحول الاتصال أضاف: «إذا كان على الحكومة من جهة إقناع الجمهور بأهدافها، فعلى الجمهور من جهة ثانية، دفع الحكومة الى تبني هواجسه وتطلعاته، وتلبية حاجاته المتزايدة، ورغم أن الإعلام ما يزال وسيلة ناجحة في الإقناع، فهو يبقى عملا في اتجاه واحد، وبخاصة إذا لم تكن الوسائل الإعلامية حرة وموضوعية.
أما الاتصال فهو فكرة أغنى وأكثر إنسانية، فهي التبادل وردة الفعل والمشاركة، فلم يعد الاتصال يقتصر على الخطابة فقط، بل على الوسائل الحديثة وأساليب الحكم العصرية أيضاً».
وحذر الرئيس اللبناني الأسبق من أن انعدام قنوات التواصل، يخلق حواجز تؤدي الى البيروقراطية في الادارة والمؤسسات، وأن الاتصال المبني على الثقة والفاعلية، ينبغي أن يلبي حاجات الجمهور، وأن يتميز بالدقة والشفافية والموضوعية المفترضة، ويجب أيضا أن يكون سهل الاستيعاب، مستداما، شاملا، وفي الوقت المناسب.
واختتم سليمان كلمته بقوله: «يجب خلق ثقافة التواصل بين المسؤولين والجمهور وتهيئة البيئة المناسبة لذلك عبر فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وتحقيق توازنها، لأن الدمج يقود الى الاستبداد.
وسن القوانين التي تحمي الاتصال من الغطرسة السياسية وهيمنة الأفكار الرجعية التي تخشى أحكام الجمهور، وإزالة الرقابة الصارمة عن الإعلام، وعدم تكبيلها بعقائد ديكتاتورية، وأخيراً وليس آخراً، هدم الأبراج العاجية التي تحيط بالمسؤولين بالابتعاد عن الغطرسة، واعتماد الشفافية عبر إتاحة السبل للجمهور للتعرف على عادات وتقاليد القادة الذين يتولون شؤونه، والاطلاع على طريقة حياتهم ومعيشتهم وفهم عواطفهم وردود فعلهم».
وكانت مراسم الافتتاح الرسمي قد بدأت بكلمة للشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، الذي أشار إلى أن الظروف الاقتصادية والجيو-سياسية التي تلقي بظلالها اليوم على العالم أجمع، تضع على الحكومات العالمية والإقليمية مسؤوليةً أكبر من أجل شرح مواقفها وإقناع شعوبها بسياساتها الداخلية والخارجية بصراحة وشفافية.
موضحاً أن الوقت الذي كانت الحكومات تسيطر فيه على نوع ومصادر المعلومات قد ولّى، وحل مكانه عصر التفاعل والحوار الذي أصبح فيه للمواطنين في كافة أقطار العالم قدرة على التعبير عن رأيهم في الأحداث الداخلية والخارجية لبلدانهم والبلدان الأخرى.
وأكد رئيس مركز الشارقة الإعلامي على أن السرعة في نقل المعلومات والتأثير على رأي الشعوب يشكل تحدياً لبعض الحكومات نظراً لطبيعتها الإدارية.
إلا أن إمارة الشارقة تنظر إلى هذا التحدي كفرصة لتطوير هذا الجانب من العمل الحكومي، حيث أصبح الاتصال الحكومي الفعّال المبني على الشفافية والموضوعية أحد أهم العوامل الرئيسية التي تتسم بها الحوكمة الفعّالة.
وأضاف الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي: «إن المتابع للأحداث العربية والعالمية سيلاحظ أن هناك صراعاً «معلناً» للسيطرة على المعلومات من أجل التأثير على الرأي العام العالمي أو الإقليمي أو المحلي، ويتضح جلياً الصراع المحتدم لاستخدام الاتصال الحكومي الفعّال كنوع من استراتيجيات صراع وتنافس بعض الدول في ما بينها، كما هو الحال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين الصين والولايات المتحدة الامريكية، وبين أوكرانيا وروسيا، حيث يسعى كل طرف لاستخدام جميع الأدوات الاستراتيجية للاتصال من أجل إعطاء قصته الأولوية في ميدان الرأي العام المحلي والعالمي والذي بدوره سيضغط على الحكومات من أجل إقرار سياسات خارجية أو داخلية مساندة لهذا الرأي أو ذاك».
وتابع رئيس مركز الشارقة الإعلامي: «نحن اليوم في زمن حرية نقل المعلومات وإبداء الرأي، لذلك فقد أصبحت معرفة المواطنين وقدراتهم الاتصالية لا تقل أهمية عن أقوى العناصر التقليدية التي تقاس بها قوة المجتمعات كالجيش والتعداد السكاني والنشاط الاقتصادي والعلمي، فلا أحد يمكنه إنكار القوة التي تتمتع بها الجيوش في فض النزاعات أو تأجيجها، ولكن الحكومات على مستوى العالم أدركت بأن قوة الجيش والأمن قوة صلبة تستطيع حجب القصة وفرض الرأي ووجهات النظر لبعض الوقت، إلا أنها لن تستطيع الحد من انتشار القصة المضادة وتقييد الانطباعات والأفكار لكل الوقت». كما أكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي على أن مركز الشارقة الإعلامي وبتوجيهات من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، قد أخذ على عاتقه مهمة تطوير وتمكين إدارات الاتصال الحكومي في إمارة الشارقة، وتعميم تجربتها ومشاركتها مع سائر إمارات الدولة ومختلف دول المنطقة والعالم، وذلك لمساعدة إدارات الاتصال الحكومي على إعادة النظر في دورها الاستراتيجي الهام وقولبته كي يتناسب مع الدور القوي الذي تلعبه منظومة الاتصال الحكومي على المستوى العالمي في الوقت الراهن.
وحدد رئيس مركز الشارقة الإعلامي أربع خطوات يجب اتخاذها لتطوير أداء إدارات الاتصال الحكومي تشمل الوعي بالدور الجديد والاستراتيجي للاتصال الحكومي، ونشر هذا الوعي بين موظفي الاتصال الحكومي والمسؤولين بشتى الوسائل أولاً، وإجراء تقييم للذات بمهنية وموضوعية لقياس مدى قدرة الإدارة على تطبيق مبادئ الاتصال الحكومي الاستراتيجي في عملها اليومي ثانياً، ومنثم تطبيق خطة تدريب شاملة ومستمرة كخطوة ثالثة، وأخيراً التوظيف الصحيح والمناسب عملاً بمبدأ الموظف المناسب في المكان المناسب.
حضر حفل انطلاق المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، معالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، وزيرة التنمية والتعاون الدولي، و الشيخ أحمد بن حميد النعيمي ممثل صاحب السمو حاكم عجمان للشؤون الإدارية والمالية، والشيخ خالد بن عبدالله القاسمي رئيس دائرة الموانئ البحرية والجمارك، والشيخ سلطان بن أحمد القاسمي رئيس مركز الشارقة الإعلامي، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»، والشيخ خالد بن عصام القاسمي رئيس دائرة الطيران المدني، والشيخ خالد بن أحمد القاسمي مدير عام دائرة المعلومات والحكومة الإلكترونية، وسعادة راشد بن أحمد الشيخ رئيس الديوان الأميري في الشارقة، وسعادة اللواء حميد محمد الهديدي قائد عام شرطة الشارقة، وسعادة عبدالله بن سلطان العويس رئيس غرفة التجارة والصناعة بالشارقة، وجوليا جيلارد، رئيسة الوزراء الأسترالية السابقة، وسعادة محمد مير عبدالله الرئيسي وكيل وزارة الخارجية والأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة السابق، وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي والاستشاري ورؤساء الدوائر والمؤسسات الاتحادية والمحلية وعدد من السفراء والقناصل وأعضاء السلك الدبلوماسي بدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والأجنبية وضيوف منتدى الشارقة الدولي للاتصال وسعادة أسامة سمرة مدير مركز الشارقة الإعلامي. ويناقش المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2015 على مدى يومين الإجراءات الفورية والمطلوبة لضمان أفضل النتائج على صعيد العلاقة بين الحكومة والجمهور من خلال آليات الاتصال الحكومي الفعال والواضح المعالم، حيث سيعمد المنتدى من خلال الجلسات ودراسات الحالة والمقابلات الحية وورش العمل والمحاضرات التفاعلية التي تستضيف مجموعة من الخبراء وأصحاب التجربة في المجال، إلى استشراف مستقبل الاتصال الحكومي على الصعيدين المحلي والدولي، وتحديد الاجراءات والخطوات المطلوبة لتفعيل دور الاتصال الحكومي للوصول إلى رؤية حكومات أكثر تواصلاً واستجابةً مع الجمهور.
وقد سجل المنتدى في دورته الرابعة أرقاماً غير مسبوقة من حيث عدد المشاركين، حيث تجاوز عدد المسجلين لحضور جلسات اليوم الأول والثاني أكثر من 1000 مشارك يمثلون الجهات الحكومية الاتحادية والمحلية ووسائل الإعلام المحلية وخبراالاتصال الحكومي، وأكثر من 300 شخصية إعلامية من الوطن العربي ودول مجلس التعاون الخليجية، وأكثر من 400 طالب وطالبة من مختلف الجامعات الحكومية والخاصة في الدولة، هذا بالإضافة إلى أكثر من 450 مشارك في ورشات العمل والمحاضرات التفاعلية.
يذكر أن العام 2012 قد شهد انطلاق الدورة الأولى من منتدى الاتصال الحكومي، والذي ناقش العديد من القضايا التي شكلت نقلة نوعية في طبيعة المواضيع المطروحة في العالم العربي.
ويعد المنتدى الأول من نوعه في المنطقة لمناقشة قضايا الاتصال الحكومي وذلك في إطار سعي مركز الشارقة الإعلامي لبناء منظومة جديدة في طبيعة الاتصال الحكومي تستفيد منها المؤسسات الحكومية في دولة الامارات العربية المتحدة والمنطقة.