هذه أول مرة تعرف بلادنا الاغتيالات لأسباب مذهبية. وهنا تكمن خطورة حادثة الأحساء، وأهمية التعامل معها بحزم وقوة قبل أن تكبر وتتفاقم.
وزارة الداخلية تعاملت مع الحادثة بسرعة وقوة وشفافية؛ فالعمليات الأمنية المتفرقة والمتزامنة و(السريعة) في أكثر من منطقة من مناطق المملكة تدعو إلى الفخر والاطمئنان. وهي كذلك رسالة إلى الجهات الإرهابية، أياً كانوا، وأينما كانوا، أنّ جاهزية قوى الأمن وتلك العيون اليقظة التي لا تعرف التثاؤب، ستصلهم وتكتشفهم، ولن يفلتوا منها.
في الماضي كان الإرهابيين يدّعون أنّ هدفهم (الغربيون)، الذين كانوا يسمّونهم في خطابهم المسيّس (الصليبيين). أما في العملية الأخيرة فقد أصبح الهدف (الشيعة)، أو كما يسمّونهم في خطابهم المستورد من الإرث السنِّي والمفعم بالتطرّف والتخلّف والظلامية (الرافضة)، ويبدو أنّ المنظمات الإرهابية سواء كانت القاعدة ومنظرّوها أو الدواعش الذين انبثقوا عنها، وجدوا أنّ إيقاظ تاريخ الصراع الإسلامي المسيحي المتمثل في الحروب الصليبية، كوسيلة لهز استقرار الدول وأمنها، لم يحقق أهدافهم المرجوّة ، فانتقل الخطاب الإرهابي وهدفه إلى إشعال تاريخ الصراع المذهبي المذهبي بين المسلمين والمتمثل في الصراع بين السنّة والشيعة وإيقاظه من تحت رماد التاريخ وبعث الروح فيه من جديد. وهذا يعني أنّ الغرب والغربيين الذين كانوا طرفاً في قضية الإرهابيين، خرجوا خارج دائرة الصراع؛ وهذا ما جعل المؤمنين بنظرية المؤامرة يذهبون إلى القول بأنّ إخراج الغربيين من المعادلة وإيقاد فتيل الصراع المذهبي المذهبي بين المسلمين، كان بفعل الغربيين أنفسهم ونتيجة لـ (مؤامرة) منهم؛ لأنّ نتائجه تصب في مصلحتهم وتخرجهم خارج الصراع، وتنأى بهم ولأمن بلدانهم من أن يكونوا أهدافاً محتملة للإرهاب والإرهابيين.
ولن أخوض في كونها مؤامرة غربية أو غير مؤامرة، لأنّ ذلك في نهاية الأمر قضية احتمالية بحتة، قد لا أرى أنّ مبرراتها كافية وقد يراها آخرون خلاف ذلك. غير أنّ خطورة مرحلة الإرهاب بدوافع مذهبية وطائفية لن يتوقف عند الصراع بين السنّة والشيعة، وإنما سيمتد إلى الصراع بين أهل السنّة أنفسهم، وكذلك بين الشيعة وتفرّعاتهم. وهذه الصراعات يمتلئ بها تاريخنا للأسف.كالصراع بين السلفيين مثلاً والأشاعرة وبين السلفيين والصوفية كذلك، والتي تمتلئ بها كتـب التاريخ، وطالما أنّ (الإرهاب) يبحث عن سبب وذريعة ومبرر لنسـف الاستقرار وخلط الأوراق لأهداف محض سياسـية، فلن يعدم الوسيلة.
خطورة الصراع المذهبي المذهبي بين أبناء البلد الواحد، تكمن في أنه (يُهمش) الوطن والوطنية، ليصبح المذهب المخالف والمنتمون إليه من أبناء البلد الواحد هم (المستهدفين)، وهذه بلا شك (أهداف سهلة) من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن (لقوى الأمن) مهما كانت قدراتها ويقظتها وسطوتها أن تحيل بين (الإرهاب الجديد) وهدفه؛ فالشيعة - مثلاً- في المملكة يقطنون مناطق معيّنة، والوصل إلى تجمعاتهم من قِبل أهل السنّة الطائفيين - (الإرهابيين) - في منتهى السهولة بخلاف الغربيين في المرحلة السابقة، التي كان بالإمكان عزلهم وعزل مساكنهم (نسبياً) عن المواطنين والحيلولة بالتالي بينهم وبين الإرهابيين، ما يجعل مرحلة الإرهاب المذهبي والسيطرة عليه في منتهى الصعوبة إذا لم تكن مستحيلة عملياً.
لا حل أمامنا الآن إلا محاصرة الثقافة الطائفية محاصرة حازمة ومحكمة، وتجريم الخطاب الطائفي، سواء القادم من أهل السنّة، أو من الشيعة، والضرب بيد من حديد على كل من يسعى إلى إيقاظ الخلافات الطائفية وبواعثها؛ وإذا كان سمو الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز وزير التربية والتعليم قد بادر إلى التعميم على مناطق التعليم بما يقتضيه التعامل مع هذه المرحلة الخطيرة لمحاصرة (بواعثها)، فيجب أن تتخذ وزارة التعليم العالي نفس الخطوة، والأهم أن تضطلع وزارة الشؤون الإسلامية بمسؤولياتها وتحرم (الدعاة الطائفيين) من القدرة على الوصول إلى المواطنين من خلال منابر الجُمع، وهم معروفون ومشهورون بخطبهم الطائفية التي يزخر بها تاريخهم؛ فالمرحلة التي أشارت إليها حادثة الأحساء خطيرة، وخطيرة جداً، ولا سبيل لمواجهة خطورتها إلا الحزم والحسم وعدم المجاملة على حساب أمن الوطن واستقراره، فلم تجد نفعاً - أيها السادة - سياسة إمساك العصا من منتصفها؛ فإما نكون أو لا نكون.
إلى اللقاء.