سبق أن كتبت مقالين، انتقدت فيهما صحافتنا المحلية، لأن هيكليتها غريبة، وعجيبة، فملاك المؤسسات الصحفية هم نخبة من عليّة القوم، لا علاقة لهم بالصحافة، إلا استلام أرباحهم سنوياً، وتتكفل وزارة الإعلام بالإشراف على المادة الصحفية، بطريق مباشر، وغير مباشر. ولأنه لا يوجد نظام، أو مضبطة مكتوبة للصحافة، فإن الجميع يجتهد في محاولة التعرف على ماهو مسموح، وماهو حجم هامش العمل المباح!!
كل هذه المقدمة هي لغرض أن أصل إلى حقيقة أنه، ورغم أنني أتعامل مع صحافتنا المحلية (القسم الاقتصادي)، إلا أنني لا أفهم سبب ضعف القسم الاقتصادي في كل منها، بحيث إننا نحن الاقتصاديين نقرأ الأقسام الاقتصادية فقط، لغرض قراءة ما كتبه زملاؤنا الآخرون، ولكننا لا نتوقع أي فائدة أخرى، أو تحليل مفيد، لأي قضية اقتصادية يقدمها القسم الاقتصادي، لأي جريدة سعودية، بالرغم من الأرباح الكبيرة التي تحققها، وذلك بسبب ضعف الكوادر الاقتصادية العاملة فيها.
وللتدليل على ذلك الضعف فالأمثلة كثيرة، ولكنني سأختار خبراً حديثاً، وهو إعلان وزارة الصناعة والتجارة عن توقيع عقد مع شركة أيسوزو لتصنيع السيارات، ومن ثم تصدير جزء كبير من الإنتاج، وقد قبلت صحافتنا المحلية تلك الأخبار، وهللت لها، ولم يكن هناك تساؤل واحد حول إذا كانت العملية تصنيعا، أو تجميعا؟! وما هي القيمة المضافة؟! وما هو تقييم تجارب سابقة (مشروع الجفالي لتجميع الشاحنات، ومشروع الجميح لتجميع الحافلات)؟
وكيف سيتمكن المشروع الجديد من المنافسة العالمية؟ وهو سينتج آلاف السيارات، بدلاً من مئات الآلاف؟! خصوصاً وأن صناعة السيارات أصبحت تتم بصفة آلية (Robotic)، بحيث لم تعد مشغلاً جيداً للأيدي العاملة؟!
وقد أثرت تلك المشكلة مع أكثر من رئيس تحرير في صحيفة سعودية، وسبحان الله، كان الجواب موحداً من قبل الجميع، وهو: على يدك، أذكر لنا اقتصادياً، وسنعينه.
اعتراضي على ذلك الجواب أنه يدلل على الجهل فيما تحتاجه الجريدة، لإشفاء غريزة قرائها، فيما يتعلق بالهم الاقتصادي، فالعملية هي أكبر من مقولة: على يدك!! والمطلوب هي خطة منهجية، لإيجاد تلك الكفاءات، وللقيام بذلك، على الجريدة نفسها أن تعلن عن رغبتها في تطوير قسمها الاقتصادي، عن طريق مسابقة، أو منافسة، لتعيين اقتصاديين سعوديين، يحملون شهادات جامعية، وماجستير، ودكتوراه، في التخصصات المهمة للاقتصاد السعودي، وهي:-
1- تخصص الاقتصاد الكلي (Macro)، والذي يعنى بالاقتصاد ككل.
2- تخصصات فرعية محددة (Micro)، في مجالات: الطاقة، البتروكيماويات، المقاولات، الإنشاء، العمل المصرفي، التأمين... إلخ. وبعد أن تختار الجريدة مرشحين، عليها أن تلتزم بإرسالهم إلى دورات متخصصة، وتعدهم باستمرار إرسالهم إلى كل المؤتمرات التي يمكن أن تفيدهم في عملهم، ومن نافلة القول أن تدفع لهم من المخصصات المالية ما يجذبهم للعمل.
هذا هو الحل الذي أراه، للرقي بصحافتنا الاقتصادية، وبدونه لن تتقدم.