لم يكن وجود الشيعة في دول الخليج إشكالية حادة، حتى في السعودية المركز الإسلامي للعالم، وبرغم بعض الأدبيات التقليدية التي تنظر للمذهب الشيعي بأنه محرف أو ناقص من وجهة نسقها الثقافي، لم يكن الاحتقان الطائفي أبدا مشكلة «عنيفة» تؤرق الرأي العام أو تحمل شحنات سالبة لهذا الحد قابلة للانفجار..!
مرحلة التحول جاءت في أعقاب عودة الخميني إلى طهران وظهور ما عرف بـ«الثورة الإسلامية»، 1979 «وصل الإمام» من منفاه الباريسي استعدادا لقيام الثورة وإعلان الجمهورية الإسلامية. على حس طائفي ديني خالص، يتجاوز الحس القومي الفارسي المتعالي ويستخدمه!
ساهمت «الثورة الإسلامية» في نسختها الخمينية وعودة الملالي للحكم ونظام ولاية الفقيه، ظهور مبدأ تصدير الثورة - أي تصدير النموذج الإيراني والمذهب الشيعي منه - هناك كانت بداية عودة الاحتقان الشيعي السني، ثم جاءت الحرب العراقية الإيرانية لتأخذ الرمزية السياسية أولا، ثم الطائفية لاحقا لإيقاف المد الشيعي الخميني -السياسي عن الخليج.
اليوم تصل المواجهة المذهبية لذروتها على ساحات عربية عدة، ساحات يتسبب تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية في إحداث خلل كبير بها، بل وتقسيمها، وزعزعت أمنها، عبر التدخلات المباشرة، والدعم المادي والتوظيف المذهبي المتطرف.
شيعة العرب كانوا ولا يزالون حطب النفوذ الإيراني السياسي، والمعتدلين منهم يجدون أنفسهم خارج الرعاية الإيرانية وتحت المحاصرة المذهبية المتطرفة، في ظل غياب عربي واقعي لاحتواء الشيعة العرب ودعم استقلال مرجعياتهم الدينية.
كما أن الدول العربية «ترفعت» عن الدخول للعب بالورقة المذهبية مباشرة، حيث يوجد في إيران تجمعات سنية شبه معزولة وضعيفة وفقيرة ومحرومة من ممارسة طقوسها. والتقديرات تتحدث عن نحو 20 مليون من سكانها ينتمون للمذهب السني، من إجمالي سكان إيران البالغ عددهم أكثر من 73 مليون، وهذا العدد يعادل نسبة تزيد عن 25 % من سكانها.
ولا ننسى أن في إيران تركيبة عرقية متعددة ومعقدة، وتضم هذه التركيبة: الفرس 63 %، والأتراك (الأذر والتركمان) 20 %، والعرب 8 %، والأكراد 6 %، ثم البلوش 2%، وجماعات أخرى 2 %.
والحقيقة أن الشيعة العرب والأقليات في العالم العربي طالما كان حظهم أكثر في دولهم مقارنة بسنة إيران وأقلياته، إلا أن التوظيف السياسي الثوري العلني الإيراني للشيعة في الشرق الأوسط العربي بلغ مدى تسبب معه بمصادمات ومواجهات دموية خطرة وقاتلة.
انظر للخارطة العربية من العراق إلى سوريا ولبنان والبحرين، واليمن ستجد هذا الهجوم المذهبي المسلح والرهيب الذي توظفه إيران سياسيا للسيطرة والتحكم وإحلال الفوضى على أمل التمدد!
إيران تشحن الأسلحة لقيام حرب مذهبية سنية -شيعية ساحتها الآن معلنة ومعروفة (عراق المالكي، وسورية الأسد، ولبنان حزب الله) وجميعهم يتبعون تعليمات طهران حرفيا.
على الجانب الآخر تبدو الدول العربية، والخليجية تحديدا أكثر تعقلا - أو أقل تدخلا، لكن الجماعات الإسلامية- السنية المسلحة، المحتقنة أصلا ضد الأنظمة والتي تكفر نسقاتها الاجتماعية والسياسية، اتجهت لتجيش طاقاتها وتجنيد كوادر كبير وجديدة، وهاهي تحصل على التمويل مستفيدة من هذا الهجوم الإيراني في تحريك احتقان مذهبي وتراكم تاريخي، وأمام واقع جماعات تستشعر فيه الظلم ضد أبناء عرقها ومذهبها، وتقدمه كسبب للمضي في مشروعها المسلح.
بحيث ستعود القاعدة وجماعات متفقة معها اليوم أقوى مما كانت عليه، وهاهي في أرض الشام تتخذ معسكرات وتنشئ تحصينا غير مسبوق، مستفيدة من هذه المذهبية الناعقة للتجنيد والحصول على التمويل، والاستعداد للمواجهة الشاملة، التي نجحت طهران في تهيئتها.
حرب سنية شيعية هدف سوريا-إيران الرئيسي لتفجير المنطقة العربية، وإضعاف البقية، والعام 2013 شهد الإرهاصات الأولى لهذه الحرب، ومن بطن الأحداث سيكون عام 2014 دمويا وطويل!
لكن لا يمكن لإيران أن تتخيل أن تورطها سهل في مواجهات ستطول، وقد تنقل لأرضها، وهو أمر متوقع لدولة تقود وتمول وتغذي حربا مذهبية، وتشجع بكل ما تملك من قوة على نقض الاستقرار في كل الأراضي العربية.. وتقود حربا مذهبية لقتل العرب بالعرب!