تسمع أحيانا من يتحدث عن الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، الجمهوري، والديمقراطي، وتتعجب من محاولات تصنيفهما حسب مواقفهما السياسية، كأن يقال، مثلا، إن الحزب الجمهوري هو حزب الحرب، والحزب الديمقراطي هو حزب السلام، أو أن يقال إن الحزب الديمقراطي صديق لتلك الدولة، أو تلك المجموعة الإقليمية، والحزب الجمهوري على عكس ذلك، وغير ذلك مما نسمعه كل يوم من بعض الخائضين في التحليل السياسي، خصوصا من العرب، ومثل هذه التصنيفات المغرقة في السطحية ليست دقيقة، بل يصح القول إنها غير صحيحة بالكلية.
نعم هناك فروقات بين الخطوط السياسية للحزبين، ولكن الولايات المتحدة بلد مؤسساتي، يتم رسم سياساته المستقبلية بدقة، ولعقود مقبلة، ويتم تنفيذ تلك السياسات، بغض النظر عن الحزب الحاكم، وعن شخصية الرئيس، ومع ذلك فهناك رؤساء أقوياء، من شاكلة الرئيس التاريخي ابراهام لينكولن، استطاعوا أن يتخذوا قرارات كبرى، أو يغيروا قليلا، أو كثيرا في سياسات قائمة، دون أن يؤثر ذلك في الخط السياسي العام، المرسوم سلفا، ولدحض الادعاء بتصنيف الحزبين الرئيسين، يحسن بنا أن نضرب بعض الأمثلة من التاريخ الأمريكي.
يقال في معرض نقد الرئيس أوباما، على سبيل المثال، إنه لا يمكن أن يهاجم إيران، أو غيرها عسكريا، ويتم تبرير ذلك بأنه رئيس ديمقراطي !!، ثم تتم مقارنته بالرئيس جورج بوش الأب، الجمهوري، والذي شن حربا عاصفة على العراق في (1991)، وبابنه جورج، والذي شن حربين كبيرتين على العراق، وأفغانستان (2001- 2003)، ويخفى على هؤلاء أن أكبر حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها كانت الحرب العالمية الثانية، وقد كان بطلها الرئيس الديمقراطي الشهير فرانكلين روزفلت (1932-1944)!!، كما يخفى عليهم أن القنبلة النووية استخدمت مرة واحدة في التاريخ، من قبل رئيس أمريكي ديمقراطي، وهو الرئيس هاري ترومان (1944- 1952)!!، وماذا بعد؟.
أيضا يردد بعض المتطفلين على التحليل السياسي أن الحزب الديمقراطي هو حزب الأقليات، وخصوصا السود، وهو أكثر قربا للعالم الإسلامي، ولكن النظرة التاريخية الشاملة تؤكد أن الرئيس الذي حرر السود من العبودية، هو الجمهوري ابراهام لينكولن (1860- 1865)!!، والرئيس الذي وقف وقفة صارمة ضد العدوان الثلاثي على مصر، هو الرئيس الجمهوري، أيضا، ديويت ايزنهاور (1952-1960)، وثمة نقطة هامة، وهي أن الحزب الجمهوري كان، وعلى مدى مائة عام ( 1860- 1960) هو حزب الأقليات، والسود!!، وكان حينها الحزب الديمقراطي هو حزب العنصريين البيض من الساسة، من شاكلة سيئ الذكر، عضو الكونجرس الشهير، ثرقود مارشال، والخلاصة هي أن تصنيف المواقف السياسية للدول، عطفا على هوية الحزب الحاكم يعبر عن قصور في الرؤية، ينتج عنه تضليل متعمد، أو غير مقصود للرأي العام، فهلا توقف الخائضون بغير علم عن الحديث عما لا يحسنون ؟!.