للحديث عن سير الرجال الذين سطروا أروع المثل في أخلاقهم وأدائهم وحسن تعاملهم وخدمة دينهم ووطنهم اهتمام لدى الكتّاب والمؤلفين، إلا أن ذلك يجبرهم أن يقفوا حائرين في كتاباتهم أيتناولون شخصية أولئك الرجال بتعاملهم وأخلاقهم الرائعة أم يتناولون سلوكهم الديني وتبتلهم لربهم أم يتناولون تصدرهم للثقافة والأدب والسير، أم يتناولون نجاحاتهم التجارية والحسابية أم يتناولون تعاملهم الأسري النادر بين أبنائهم وأزواجهم وأسرتهم. ومن أولئك الرجال الشيخ الوجيه والعالم حمود بن عبد العزيز المشيقح- رحمه الله- والتي تحققت فيه هذه الصفات فهو أحد أبرز وجهاء مدينة بريدة وأعيانها في زمانه.
ولد الشيخ حمود عام 1316هـ في مدينة بريدة ونشأ في بيت والده عبد العزيز زعيم بريدة وأغنى رجالها فكان محبوباً لديه.
حفظ القرآن الكريم في صغره وتعلم القراءة والكتابة والحساب وأجادهما ودرس على يد الشيخ عبد الله بن محمد بن سليم والشيخ عمر بن محمد بن سليم ولازمهما.
يقول الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن- رحمه الله- في كتابه تذكرة أولي النهى والعرفان ، الجزء السابع صفحة 376 (من جملة ما درس على الشيخ عمر بن سليم فتح الباري شرح صحيح البخاري وإذا أخذ بالقراءة فإنها خفيفة على لسانه لأن سليقته قوية كأنما تخرج الكلمات من أكبر نحوي فهو صاحب بديهة وقليل لحنه وأخذ عن الشيخ العبادي في كتب الفقه والحديث.
نال الشيخ حمود ثقة والده وإخوانه بحيث كان هو المؤتمن على الدفاتر التجارية والصندوق المالي لتجارة الأسرة.
يقول الشيخ إبراهيم العبيد (كان الشيخ حمود موضع التقدير من أهله ومن أمته وأهل بلده فتناوب عليه ملوك آل سعود بالسلام عليه إبان زياراتهم للقصيم فزاره الملك فيصل والملك خالد والملك فهد والملك عبد الله وولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز وبقية أبناء الملك عبد العزيز وأمراء المنطقة، وفي لقائه مع الملك خالد- طيب الله ثراه- وبحضور الملك فهد بن عبدالعزيز- غفر الله له- وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- حفظه الله- وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- والعديد من الأمراء أبناء الملك عبدالعزيز وأبنائهم والوزراء فقال (باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ولا عذاب وأنتم حققتم التوحيد ونصرتم الدين وأهله) ثم دار حديث ود مع ولاة الأمر حتى أمر الملك خالد مباشرة وزير الإعلام بإجراء لقاء تلفزيوني مطول مع الشيخ حمود والموثق لدى وزارة الإعلام.
تمتع الشيخ حمود بعاطفة جياشة تمثلت بمحبته الشديدة لأسرته وإخوانه فقد أغمي عليه حين تبلغ أثر وفاة أخيه ورفيق دربه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز- رحمه الله- وقصة حدثت في مقتبل عمره عندما حفظ القرآن فعملوا له زفة ليحمل على الأعناق وهي عادة عند أهل بريدة قديماً فرفض أن يزف وطلب تقديم أخيه صالح بديلاً عنه حباً وتقديراً له، وما عرف عن علاقته الخاصة بأخيه محمد بن عبدالعزيز- رحمه الله- والتي تمثلت بأروع المثل بل الأعجب من ذلك حينما يروي لأبنائه قصص إخوته ووالده تنهال دموعه ويتوقف عن الحديث لما يكن لهم من وفاء وإخلاص.
لازم الاعتكاف كعادة اشتهر بها والحج والعمرة سنوياً مع كبر سنه ولم يثقل عن حضور الجمع والجماعات ولم تفته تكبيرة الإحرام لأكثر من 80 سنة على الرغم من كونه آخر عمره محمولاً على عربة وكان صابراً محتسباً.
لما علم الله حسن نيته رزقه الله من إخوانه وأبنائه وأبناء إخوانه حسن عناية فكانوا يتناوبون زيارته كل ليلة بعد العشاء ويجتمعون به ويتبادلون الحديث معه حيث كان راوية للقصص وذا خبرة واسعة بالتاريخ عن وعي ومعرفة.
يقول الشيخ إبراهيم بن عبيد في نفس المرجع (كان بصيراً في دينه وموالياً لأولياء الله ومعادياً أعداءه في حسن معتقد ولين معتركه مع الصغير والكبير وما زال على الاستقامة حتى وافاه أجله).
وإن من الصفات التي تميز بها الشيخ حمود إدراكه ومعرفته بأنساب أسر مدينة بريدة فما زاره أحد إلا تبادل معه سيرة أهله وأنسابهم وتاريخهم حتى كأنه منهم.
كان حاسماً في كثير من الأمور فقد كان له تأثير كبير على المشايخ في السمع والطاعة لولاة الأمر ومسموع الكلمة، ومثال ذلك عندما تقاعد الشيخ صالح بن أحمد الخريصي رئيس محاكم القصيم- رحمه الله- عن العمل رفض الشيخ حمود واتصل شخصياً بوزير العدل وطلب رفض ذلك فوافق الوزير مباشرة وأعيد الشيخ إلى عمله.
قال عنه سماحة الشيخ عبدالله بن حميد- رحمه الله- (لو لم يدخل الشيخ حمود المشيقح عالم التجارة لفاق زمانه في العلم).
لدى الشيخ حمود يد سخية في البذل والعطاء تمثلت في الصدقات وإهداء من يزوره من أبناء أسرته وبناتهم مالاً كعادة غلبت عليه بما تجود به نفسه.
هذا ولنعرض بعضا من مقتطفات سيرة هذا الشيخ الجليل:
أولاً: ذكاؤه وسرعة بديهته وملكة حفظه.
ثانياً: إجادته لعلوم الحديث والفقه وحفظه للقرآن والنحو.
ثالثاً: كان مرجعاً أساسياً لجميع مؤرخي المنطقة فنقل عنه العلامة محمد بن ناصر العبودي والشيخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن والشيخ صالح العمري.
رابعاً: حفظ التاريخ وسيره خاصة البداية والنهاية وتاريخ الصحابة.
خامساً: أجاد المعاملات الحسابية حتى أصبح مرجعاً مهماً في حسابات والده.
سادساً: تعلم الفرائض وأجادها.
سابعاً: تميز بدماثة خلقه وتواضعه حتى أصبح مصدر ربط للصلات بين أسرته الكبيرة فكم من إشكالات كان هو أحد أسباب الحلول لها.
ثامناً: اعتمد عليه والده في جميع معاملاته التجارية لدقته وأمانته خاصة أن والده أغنى أهل نجد في زمانه.
تاسعاً: ثقافته الواسعة جعلته يأخذ من الصغير والكبير.
عاشراً: أحبه الناس فزاره الملوك والأمراء والوزراء والأعيان والمشايخ. وعامة الناس تباعاً إلى مجلسه.
أحد عشر: تعامله مع أسرته وأبنائه مثالاً يحتذى به مما انعكس على أبنائه. لتواصلهم وتوددهم فيما بينهم.
ثني عشر: تعامله مع نسائه فكان مضرب مثل في تودده لهن وإكرامهن وهي أحد وأبرز أخلاقياته رحمه الله.
ثلاثة عشر: حبه لأهل الخير ومناصرتهم فكان أهم أعوان المشايخ وطلبة. العلم.
أربعة عشر: قيامه وتهجده في آخر الليل فله شجون غريب في مناجاته.
خمسة عشر: تعلمه آداب المجالس باستماعه للمتحدث وعدم مقاطعته حتى لو أن القصة يعرفها احتراماً للمتحدث مما حبب الناس في مجالسته.
ستة عشر: كتب عنه المؤرخون وتناولوا سيرته ومنهم:
أ- معالي الشيخ العلامة محمد بن ناصر العبودي في معجمه الجغرافي لبلاد. القصيم. ومعجم أسر بريدة
ب- الشيخ إبراهيم بن عبيد العبد المحسن في كتابه تذكرة أولي النهى. والعرفان.
ج- معالي الدكتور عبد الرحمن السبيت في كتابه كنت مع عبد العزيز الحرس. والوطني
د- الشيخ صالح بن سليمان العمري في كتابه علماء السليم وتلامذتهم.
هـ- الدكتور عبد العزيز بن حمود المشيقح في كتابه أسرة آل مشيقح الماضي والحاضر،و كتابه من وجهاء وأعيان القصيم» الشيخ حمود بن عبد العزيز المشيقح».
توفي الشيخ حمود رحمه الله صبيحة يوم الجمعة الموافق 13-6-1409 هـ وصلي عليه العصر جمع عظيم وجم غفير في الجامع الكبير ببريدة عن عمر يناهز 93 عاماً ورثاه عدد من محبيه وأهل الخير ومن تلك القصائد التي رثاه بها ابنه د. عبدالعزيز بن حمود تقول القصيدة:
بكى القصيم فذاً إذ خلى مكانه.
فكادت له أرض القصيم ترجـف
ثوى العابد الميمون والعالم الّذي
به كن يرمى الجانب المتخوف
وأصطف في يوم فضيل لأجله
رجال كرام وحشد لا مثيل له
فضاقت بذا الحشد أكبر رقعة
تضم أشخاصاً عند الضريح تعرف
بكته المجالس الأهلية إذ ثوى
وحن مع النبع الوشيج المثقف
فكم من يد عندنا لحمود كريمة
سنذكرها مادامت العين تطرف
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
على المصطفى ما لاح في الأفق مشرق
فرحم الله الشيخ حمود بن عبد العزيز رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وجزاه الله عنا خير الجزاء لما أعطى هذه الأسرة من بصمات رائعة رفعت من مكانة أسرته ورزقنا الله رجالاً أمثاله ليحذو حذوه ليخدموا دينهم ووطنهم... آمين.