من نعم الله على هذه البلاد أن أكرمها بحكام صالحين أعز الله بهم الدين وأصلح بهم أحوال البلاد والعباد، فمن هذه الأسرة الكريمة (آل سعود) ما عهدنا إلا الحب والخير والوفاء الذي يجمعهم مع شعب هذه البلاد الطاهرة من أقصاها إلى أقصاها والذي يفيض حباً وولاء توارثه الأحفاد عن الأجداد منذ ثلاثة قرون ضارباً بجذوره في عمق القلوب قبل التاريخ وما ولي العهد ووزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلا امتداداً وأنموذجاً حاضراً لهذه العلاقة المتميزة الراسخة فقلبه قبل بابه مفتوح للجميع، فرغم مشاغله إلا أنه ما زال حريصاً على استقبال جموع المواطنين في مجلسه الأسبوعي بقصره يجلس معهم ويستمع إليهم ويتناقش ويتلمس حاجاتهم ولو أننا قلبنا في صفحات تاريخ أئمة الدولة السعودية وصولاً للملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأبنائه الملوك من بعده لوجدنا أن هذا ديدن الجميع؛ فمن شابه أباه فما ظلم، ففي يوم الثلاثاء الموافق 9-1-1435هـ تشرفت بالسلام على سموه في قصره العامر بعرقة ضمن مئات المواطنين وأهديت له كتابي (قطوف ثقافية) وبعد يومين تشرفت باتصال من سموه -حفظه الله-، وقد كنت بصحبة معالي الوالد ومعالي الشيخ سعد بن ناصر في منزل الجميح فسلم على الوالد والشيخ محمد وحمد الجميح، ثم طلبني وذكر أنه قرأ الكتاب ولديه معلومات وإضافات فشكرت سموه عليها، وفي يوم الاثنين الموافق 15-1-1435هـ حضرت برفقة معالي الوالد وأخي سلمان وابني ناصر واستقبلنا سموه الكريم بمكتبه في الديوان الملكي فقال إنه قرأ الكتاب كاملاً ثم بدأ -حفظه الله- يناقشني فيه صفحة صفحة ومملياً علي ملاحظات دقيقة لا تصدر إلا عن عالم متخصص في تاريخ الوطن وأهله، ومن الإضافات التي تكرم عليّ بها سموه أن حدثنا بتفاصيل أكثر عن رحلتهم مع الملك خالد -رحمه الله- إلى ليبيا والتي ذكرت جزءاً منها في الكتاب فقد أثنى على الشعب الليبي وعلى كرمه الأصيل مستعيداً ذكريات رحلته مع الملك خالد التي مر عليها أكثر من خمسة وثلاثين عاماً ويذكر عنها تفاصيل دقيقة، فقد قال إنه لم يكن متهيئاً لهذه الرحلة لأن لديه عملا مهما في سويسرا، وكان على وشك السفر إلا أن الملك خالد -رحمه الله- أصر على أن يكون معه، ويقول سموه: فلما وصلنا ليبيا كان من ضمن جدول الزيارة دعوة غداء فسألهم الأمير سلمان إن كان هناك كلمات أو خطب من الوفد الليبي لكي يعد لها الوفد السعودي كلمة فقالواليس هناك كلمة إلا أنهم تفاجأوا وهم على المائدة بالقذافي يلقي كلمة طويلة يشتم فيها الاستعمار الأمريكي والبريطاني، وفي اليوم الثاني كان هناك اجتماع بين الوفد السعودي والليبي وابتدأ رئيس الوفد الليبي يطلب معلومات عن الجبيل وينبع والشركات الأمريكية والبريطانية، وطلب حصة منها فاستأذن سمو الأمير سلمان من رئيس الوفد السعودي الأمير سلطان -رحمه الله- وقال الأمير سلمان إن فخامة الرئيس حذرنا بالأمس من التعامل مع الأمريكان والبريطانيين وأنت الآن تطلب التعامل معهم!؟ فقال رئيس الوفد الليبي إن هذا إعلامياً فقط! وبعد ذلك أعد لهم فخامة الرئيس حافلة للذهاب للجبل الأخضر ودار النقاش الذي ذكرت جزءاً منه في كتاب (قطوف ثقافية) حيث بدأ الرئيس القذافي يشرح لهم نظرية الكتاب الأخضر، وانبرى للرد عليه الأمير سلطان والأمير سلمان والشيخ ناصر أبو حبيب، وكان من ضمن الردود أن قال له سمو الأمير سلمان أنت تقول السيارة لقائدها (المركوب للراكب) وأنت أتيت بسائق للسيارة ولم تطبق هذه النظرية فألجم القذافي، ولم يستطع الرد، ثم أضاف سمو الأمير سلمان قائلاً وأنت أتيت بأناس يخدموننا ولم تطبق نظريتك إن كل إنسان يخدم نفسه فعجز القذافي عن الرد. ثم ذكر عن غرائب القذافي الطريفة أنه لما قام بزيارة المملكة العربية السعودية طلبت زوجته أن تذهب إلى سوق شعبي وسط البلد ورفضت أن يرافقها أحد فأمر الأمير سلمان أن يقوم أحد الضباط بحراستها من بعيد فلما دخلت السوق وكانت ترتدي فستاناً قصيراً أتاها رجال الحسبة ونصحوها فغضبت وخرجت من السوق وغضب القذافي وأراد أن يقطع زيارته الرسمية للمملكة، وفي ذلك إحراج للجميع وكان القذافي لا يقابل أحداً من شدة الغضب فأبلغوا الأمير سلمان فأتى مسرعاً إليه فقال للقذافي أود أن أحضر إليك رجال الحسبة وتنصحهم فوافق الرئيس، فأحضر له الشيخ إبراهيم بن غيث وأمره الأمير أن يتبسط مع القذافي ويجاري فكره في محاولة لاحتواء المواقف وثنيه عن إلغاء زيارته للمملكة، يقول الأمير سلمان إن الشيخ ابن غيث اجتمع بالرئيس قليلاً ثم خرجا الاثنان وكل يده بيد الآخر وهكذا أنقذ الموقف.
ثم أورد سمو ولي العهد -حفظه الله- بعض ذكرياته مع الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- وأثنى عليه، وأثنى على الشيخ صالح بن فوزان وذكر بعض المواقف ومنها أن الأمير سلمان قد نوى السفر لأمريكا لأمر ضروري في رمضان فذكر ذلك للشيخ ابن باز فقال له الشيخ إن الأحوط أن تصوم فأجابه الأمير سلمان إن الرخصة والسنة أن يفطر لأنه لا يعلم مدة إقامته فاقتنع الشيخ بصواب رأي الأمير كما أثنى على حسن خلق الشيخ ابن باز وكرمه، وقال كأن بيته مطعم لكثرة الداخلين والخارجين وقال يشبهه في الكرم جدك الشيخ أبو حبيب -رحمه الله- ووالدك معالي الشيخ ناصر، ثم استعرض سموه أحد مواضيع الكتاب وهو (الغرب والقذافي والقاعدة) وعلق عليه تعليقاً مفيداً، ثم قال سموه إن في صفحة 107 من الكتاب ذكر لبعض الدعاة في زمن الإمام بن سعود وهم (عبدالله بن فاضل وإبراهيم بن حسن بن عيدان وأمير المرابطة محمد بن سليمان بن خريف وحمد بن حسين بن سبيت) وفي لفتة وفاء وحرص ليس مستغرب على سموه -حفظه الله- سألني عن ذريتهم ومن منهم على قيد الحياة. انتهت مقابلة سمو ولي العهد -حفظه الله- والتي استمرت أكثر من نصف ساعة وودعناه وأنا كلي إعجاب باطلاع سموه وثقافته العالية وحرصه على القراءة وقدرته على الإفادة العلمية، وهو رجل الدولة المتزاحم وقته الثمين بمسؤوليات الوطن، فقد أبهر الجميع بقوة الذاكرة وبإلمامه بتفاصيل دقيقة في تاريخ هذا الوطن حتى إنه يعد المرجع الفصل في كثير من الإشكاليات التي تعترض الباحثين، وفوق ذلك ما تميز به سموه الكريم من طهارة القلب وحسن الخلق والتواضع الجم وإخلاصه، وحبه للوطن وحرصه على أهل العلم والخير وهذا والله فضل من الله ومنة على أهل هذه البلاد الطاهرة نسأل الله تعالى يحفظه ويسدد على الخير خطاه.
وفي الختام أقول كما قال الشاعر والباحث سعد الحافي والذي قال فصدق:
دمت يا سلمان.. للأمجاد تاج
تاج جود.. وتاج علم.. وتاج دوله
تاج يمتد.. من عصور.. ومن فجاج
من زمن مقرن.. ومانع.. والبطوله
كل عرقٍ فيك.. للطيب امتزاج
وكل طيبٍ منك.. من يقدر يطوله
كنك معزي.. وللوصف انبلاج
عاطر التاريخ.. من عاطر فعوله