الجزيرة - المحليات:
على مدى الأيام الماضية شهدت الساحة الإعلاميَّة سواء على صفحات الصحف المحليَّة أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي عمليات أخذ ورد حول بيان صادر من عدد من القضاة عرف بـ»ببيان القضاة المائتين» حول مسيرة القضاء في المملكة.
«الجزيرة» ومن مصادرها الخاصَّة تابعت أبعاد القضية وتطوراتها بعد إصدار أكثر من ثلاثمائة قاضٍ بيانًا آخر مضادًا ومفندًا لما حمله خطاب المائتين وسبرت أبعاد الموضوع وحصلت على معلومات موثقة التي رصدتها إدارة الرقابة القضائية خلال الشهور الماضية.
وأوضح أكثر من ثلاثمائة قاضٍ منهم قضاة استئناف في البيان المضاد لما جاء في الخطاب المنسوب لـ200 قاضٍ أن هذا الخطاب قد صدر في الحقيقة من قبل محركين له على خلفية رصد مخالفات كبيرة عليهم، إضافة إلى التأخر في ساعات العمل وإضاعتها والانشغال عنها حتَّى بعد الدوام، وتعطيل معاملات المواطنين والانشغال عن مسؤولياتهم الشرعية بمسائل فكرية وسياسيَّة والتعاون مع مكاتب محاماة، والممارسة التجاريَّة الممنوعة، وتجاوزهم الصريح لأنظمة الدَّوْلة وتعليمات ولاة الأمر، التي حدَّدت صلاحياتهم وما يجب لهم وعليهم.
وأضافت المصادر العدلية: إن المتابعة القضائية والمتابعة الإدارية حمَّلتهم بعد التحقيق في تأخر العديد من القضايا مسؤولية تأخير القضايا ونسبت إليهم التساهل في مواعيد الجلسات بحيث يتغيب عدد منهم عنها من دون عذر مع الإساءة في التعامل مع أطراف القضية في شكاوى كثيرة.
وقد كشف الأداء المتميِّز من قبل زملاء لهم في نفس محاكمهم مستوى تدنِّي أدائهم وأنهم المسؤولون عن تأخر القضايا وحدهم، وهو الذي أوضح ازدواجية لافتة ومزعجة في مواعيد المحاكم والإنجاز، انتهت التقارير إلى وجود تساهل واضح بسببه أحيل كثير منهم للمساءلة ولفت النظر.
وتناولت كتابات هؤلاء القضاة ردًّا قويًّا على ما نُسب لزملائهم الـ(200) قاضٍ حيث اتهموهم بتزوير الحقائق في كتابتهم التي سرّبوها، واتهموهم كذلك بإخفاء الهدف الحقيقي من بيانهم الكاذب؛ مع مصادمتهم لبيان مجلس الوزراء الذي أشاد بتطوير القضاء من خلال بيان تاريخي غير مسبوق لأيِّ جهة حكومية، كما تَضمَّن الرد أن خطاب الـ200 قاضٍ خاصم بمكابرة واضحة الإشادات المحليَّة والدوليَّة المعلن عنها عدَّة مرات التي قدّرت بشكل كبير تحديث آليات القضاء في المملكة.
وأوضح رد القضاة أن تدليس زملائهم مع متفاعلين معهم من القضاة السابقين يحملون نفس توجهاتهم وعليهم نفس ملاحظاتهم ممن تَمَّ إبعادهم من القضاء سواء بالفصل أو بشكل هادئ بالإيعاز لهم بتقديم الاستقالة، إنما جاء للمحاولة اليائسة للضغط على يد المراقبة القضائية التي طالت العديد منهم، وأن منهم مجموعة من القضاة تَمَّ طلب رفع الحصانة عنهم في وقت سابق من قبل بعض الجهات المختصة، مع رصد هذه الجهات بخطابات رسمية ما حصل من إساءات من قبل بعض القضاة للمواطنين.
وتشير معلومات المراقبة القضائية إلى وجود ملاحظات صادمة بخصوص أولئك القضاة، وصدر في حق بعضهم أحكام بفصلهم من القضاء بأحكام تأديبية، تتفاوت التهم فيها، وأن الذي يقود هذه التصرَّفات بأسلوبها التحريضي هو أحد القضاة المفصول من القضاء بحكم تأديبي، وآخر كاتب في تويتر كان قاضيًا سابقًا وهو يقيم حاليًّا شبكة محاماة مع بعض القضاة.
وأشارت المصادر إلى أن من الداعمين أيْضًا لتلك العريضة من سبق أن أحيلت له في محكمته 225 قضية ولم يَنظر منها سوى قضيتين في ثمانية أشهر واحدة انتهت بالشطب والثانية صلحًا، ومنهم عدد من القضاة يغردون ويكتبون في مجموعاتهم البريدية إلى ساعات متأخرة من اللَّيل ولا يداومون إلا في وقت متأخر، مع كثرة غياب عدد منهم، وتأجيلهم للجلسات لأسباب واهية.
فيما تشير المعلومات إلى أن الحملة التصحيحية التي أطلقتها وزارة العدل على كتابات العدل واستمرت ثلاث سنوات تعمل عليها الآن فيما يتعلّق بالقضاء بالتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء، وأن ردة الفعل التي كتب عنها أولئك القضاة متوقعة، وهم في كلِّ الأحوال لا يمثِّلون بكلِّ تأكيد نصاعة القضاء ونزاهته وسلامة توجهه الشرعي، وأن إدارة القضاء عازمة على محاسبة كل من يحاول الإساءة لسمعة القضاء الشرعي بأدائه المتواضع أو إهماله وإضاعته للعمل أو ممارساته غير الشرعية، وأن التساهل معهم أعطى سمعة سلبية لدى الرأي العام عن دوام القضاة وعن أسلوب تعاملهم مع الناس وعن إنجازهم للقضايا حيث وظَّف مجموعة منهم الحصانة القضائية وعدم إلزامهم بتواقيع الدوام وحجم الثقة بهم توظيفًا لا يليق أبدًا وقد تراكمت هذه السلبيات مع الزمن لتشكّل وضعية مأساوية يتحدث عنها الكل من سنين طويلة ولا مخرج لهم منها إلا من خلال فلسفة الإسقاط وهذا متوقع.
وتضيف المصادر أن ما تسرب من وجود 200 قاضٍ وقعوا على الخطاب المذكور، سبق أن حصل مثيل له قبل أشهر من خلال جمع تواقيع 51 قاضيًا في موضوع يتعلّق بمحاكمة المجلس الأعلى للقضاء لبعض القضاة الذين أساءوا بالكتابة لولاة الأمر من خلال بيان معلن في تويتر، وتدخلوا بشكل واضح في أمور تتعلّق بقضايا ليست من اختصاص محاكمهم، وعند السؤال الرسمي من بعض من كتبت أسماؤهم في مذكرة الاحتجاج وهي قريبة من هذه المذكرة أنكر مجموعة منهم أنهَّم قد وقعوا وأنه إنما تَمَّ الزج بأسمائهم وأرقام هويّاتهم الوطنيَّة دون علمهم الكامل بتفاصيل ما سينشر حيث يقوم منسق هذه الكتابات بأخذ هويّات زملائهم ويضعها في بيان التواقيع دون أخذ تواقيعهم ودون أن يُطلع من أعطاه هويته على تفاصيل ما ستكون عليه الكتابة بعد تعديلاتها.
وبيَّن المصدر أن هؤلاء القضاة لم يتحدثوا مُطْلقًا في تاريخهم القضائي عن شيء اسمه التطوير ولا غيره، عندما كانوا في مأمن من وضعهم الذي هو الآن على محك المساءلة والمحاسبة في أعقاب حملة التصحيح، في الوقت الذي لا يعرف القضاء في وقت سكوتهم أيّ تطوير عبر عقود طويلة ماضية حيث بدائية العمل وعدم التدريب إلى إلخ..
لكنهم كما زملاؤهم في الرد عليهم لا يسكتون إلا حيث يسكت المسؤول عنهم.
كما شملت الأسماء بعض الذين تَمَّ طلب رفع الحصانة عنهم وكتبوا مطالبين بإلغاء محاكمة المتهمين في القضايا الإرهابيَّة، ومحاولة التأثير بشكل غير مباشر على زملائهم القضاة في هذه القضايا.
وتشير القيادات الجديدة (القضائية والإدارية) لبعض المحاكم إلى أنّه اتضح بالمسح الدقيق بشكل لا يقبل الجدل وبحسب تقارير رسمية أن عددًا من القضاة كانوا سببًا في تعطيل القضايا وطول المواعيد بسبب عدم احترامهم لساعات الدوام وعدم جديتهم في العمل وقضاء غالب أوقاتهم في اتِّصالات هاتفية، وقضاؤها كذلك في مكاتبهم الخاصَّة التي تسمى المختصرات التي طالب عدد من المحامين بإغلاقها من عدَّة سنوات، وعدد من هؤلاء القضاة هم من وقع على بيان المائتين وبيان 51 الذي سبقه، الذي طالب بعدم محاسبة زملائهم الذين تهجموا كما سبق، وقد حمَّلت مصادر حقوقية المجلس الأعلى للقضاء مسؤولية محاسبة كل قاضٍ مسيء للعدالة الشرعية ولسمعتها.
وتشير المعلومات إلى أن من الموقعين على «بيان المائتي قاضٍ» من لوحظ عليه بخطابات رسمية ما يلي:
1. حضورهم المتأخر للدوام الرسمي بشكل يومي.
2. جلوسهم بالمختصر غير مبالين بالمراجعين المنتظرين بالصالة لخروجهم إليهم للنظر في قضاياهم.
3. إحالتهم المعاملات قبل حضور المفتش القضائي بيومين للأرشيف لعدم المراجعة مع أن أصحابها يراجعون بشكل يومي لكي لا يلاحظ عليهم المفتش.
4. احتجازهم لبطاقات مواطنين لديهم قضايا وأمرهم بشطب معاملاتهم مع أن أصل بطاقاتهم لديهم وتثبت حضورهم.
5. اعتراض بعضهم بخطابات رسمية أن حيثيات الحكم القضائي يفترض أن تكون مختصرة وأنه لا داع لإقناع الناس بها بالإسهاب في الكتابة حسب قولهم ما دام هناك عرض مناسب وكافٍ لمحكمة الاستئناف جاء هذا بعد ملاحظة بعض المفتشين عليهم، الذي أكَّد في ملاحظته على أن الحكم القضائي لم يظهر منه أنّه يعبّر عن حكم الشريعة لأنَّه خالٍ من نصوصها وأدلَّتها وأقوال أهل العلم فيها، وتبيّن أن بعضهم منشغل ببحث رسالته العلميَّة ويذكر أنَّه يواصل فيها إلى ساعات متأخرة من اللَّيل كتبرير للمفتش.
6. ورد عن أحدهم خطاب من محكمة خميس مشيط بطلب الإفادة، تطلب المحكمة فيه الإفادة حول قضية تقدمت بها امرأة بسبب تلفظه عليها بالمجلس الشرعي أثناء عمله، وورد عن آخرين خطابات مماثلة بالإساءة والتلفظ وبعض المواطنين لا يزال يطلب من مجلس القضاء إحالته مع القاضي للمحكمة بسبب عبارات تلفظ بها عليه.
7. تعطيل قضايا زوجية لأكثر من سنتين دون تبليغ المدعى عليه بالموعد بسبب إهمال القاضي حسب إفادة رئيس المحكمة.
8. استخدام بعضهم لشؤونه الخاصَّة سيَّارات المحكمة بالرغم من إبلاغهم بأن في هذا مخالفة لا تقبل من عموم الناس فكيف بالقاضي الذي يمثِّل النزاهة، ثمَّ يحصل بعد هذا انزعاجهم عندما يتخذ بشأنهم إجراء.
9. سفر بعضهم لمواقع الفتنة في بعض البلدان.
10. سجلت على بعضهم إحالات مقصودة لمكاتبهم القضائية غير مبررة لشخصيات تجاريَّة مشهورة.
11. ورود تقارير رؤسائهم بتعمدهم تأخير القضايا وكثرة إعطاء المواعيد لها انتظارًا لقرب نقلهم لتكون من نصيب من بعدهم وسجَّلت على بعضهم قضايا متكدسة لسنوات وفيها سجناء.
12. تأخر بعضهم وتغيبه بشكل دوري بذريعة أنَّه في تمثيل لأعمال خيريَّة ودعوية لا تقل أهمية عن عمله في المحكمة وتأجيله نتيجة ذلك جلسات المواطنين وهم من كان كل منهم ينتظر دوره ومحاولة تطييب خواطرهم بأن هذه أعمال خيريَّة لكم فيها أجر إذا عذرتم المحكمة، مع أنَّه بإمكانه تنسيق هذه الأعمال في المساء لا في وقت العمل الرسمي.
من جانبه قال مصدر مسؤول بالمجلس الأعلى للقضاء: إن المجلس سعى بكلِّ حزم لتصحيح هذه المشكلات وواجه فيما يبدو عدَّة محاولات لعرقلته والتشويش عليه وعلى الرأي العام بتسريب خطاباتهم الموجهة أصلاً لولي الأمر وليس لتويتر، ويتحدث أحد القضاة لهم أنَّه إذا كان يزعجكم الحديث عن أخطائكم ومساوئكم فلماذا تسيئون لأنفسكم ولقيادتكم وتدلسون عليها وتزورون الحقيقة، وتعلنون ذلك أمام الرأي العام مع أن هذا يسيء في جميع الأحوال لسمعة القضاء أيًا كان تبريركم!! فكيف يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم!!
وأشارت تقارير بعض رؤساء المحاكم إلى استهتار مسيء للغاية بحق المواطن الذي يطلب الحق والعدل من القضاء، وكانت ردة الفعل كما سبق تلفيق اقوال والتدليس بها على الرأي العام بينما خصمهم فيها مجلس الوزراء الذي أشاد بإنجازات العدالة وخصمهم كذلك العشرات من كبار القضاة الذين كتبوا عن مشاعرهم نحو التطوير القضائي بانبهار كبير، غير بقية القضاة وهم بالمئات، لكن ليس هناك حيلة لهم للخروج من مأزق الحملة التصحيحية إلا مصادمة كل هذه الأشياء، لأنهم باتوا مكشوفين بالكامل وعرضة للمحاسبة والفصل التأديبي في مقتبل الأيام.