كتبت مراراً بأن الرياضة، وما يتعلق بها من صحافة وتحكيم وتعليق وتحليل هي أكثر المجالات حيوية، وهي أكثر المجالات قدرة على التجدد والمغامرة والتطوير، ففي الصحافة الرياضية تجد الإثارة والتشويق، وكتابها هم الأكثر متابعة، خصوصا ما يتعلق بمجنونة الملايين، كرة القدم.
ففي الجولة الأخيرة من دوري عبداللطيف جميل، وأثناء مباراة الكلاسيكو بين فريقي النصر والاتحاد، تورط المعلق الرياضي محمد غازي صدقة، حينما بادرت جماهير الاتحاد الغاضبة، بعد الهدف الثالث للنصر، بالهتافات ورمي الأحذية وقوارير المياه على المنصة حيث يجلس رئيس نادي الاتحاد المهندس محمد الفايز، تعبيرا عن الاحتجاج والغضب على هذه الإدارة التي فرطت بنجوم الفريق بطريقة غير مدروسة، مما كبد الفريق الخسائر وهدر النقاط بطريقة لم يعهدها العميد!
هذا المشهد جعل المعلق صدقة يدعم الجماهير بحماس، وهو يقول إنها على حق في غضبها وفعلها، وهو ما أثار غضب القائمين على القناة الرياضية السعودية، فلم يكد ينهي المعلق المباراة، وينقل الحديث إلى الاستديو التحليلي، أي خلال دقائق فقط، حتى صدر قرار بإقالته من التعليق في القنوات الرياضية السعودية!
وبعيدا عن خطأ قرار الإقالة وصوابه، وما إذا كان الأمر يتطلب تحقيقاً مع المعلق قبل القرار، أو التوقيع على تعهد، أو الاعتذار الرسمي من إدارة نادي الاتحاد، إلا أن ديناميكية القرار هي ما يلفت الانتباه، رغم ما يقوله بعضهم، بأن إدارة القناة كانت تترصد أي هفوة على هذا المعلق، وأنها كانت تنتظر ذلك، وكأنما القراركان محررا من قبل.
ولعل هذه الديناميكية التي كانت عليها إدارة القناة، يجعلنا نتوقع منها تقديم اعتذار إلى إدارة نادي الاتحاد، رغم يقيني بأن غالبية جماهير العميد ضد هذه الإدارة، لكن الاعتذار هو لكيان رياضي يجب احترامه!
وقد كتبت تغريدة في حسابي بتويتر، لم ترق لبعض الأصدقاء الاتحاديين، لكنني مؤمن بما كتبت، وهو أنني مع جمهور العميد، ومع غضبه، ومع حقه في التعبير عن هذا الغضب، ولكن ليس برمي الأحذية والقوارير الفارغة تجاه الإدارة، بل يمكنها التعبير بالهتافات المطالبة برحيل الإدارة، أو بالاتفاق الجماعي على التوقف عن مساندة الفريق والحضور في المدرجات، لأن المدرجات الخالية الموحشة هي أكبر صوت معبّر عن الغضب، ولو لمباراة واحدة أو اثنتين!
كم راقت لي جماهير أحد الأندية الأوروبية حينما عبّرت عن غضبها بإدارة ظهورها تجاه الملعب، فكم هو مؤلم للفريق وللمدرب وللإدارة أن يمنح الجمهور ظهره للفريق أثناء المباراة، حتى ولو لدقائق من عمر المباراة!
نحن بحاجة إلى التعبير عن قضايانا، عن رفضنا لبعض الأمور، أو مناشدتنا لأمور أخرى بطرق حضارية وأخلاقية جداً، ومؤثرة جداً، فكم كان الصمت أحياناً أكبر وسائل المقاومة، وكم كان التعبير أحياناً بأصغر الأفعال، أو بأقل الكلمات، أكثر تأثيرا من العنف، في من نتوجه نحوه بالغضب مما نعيش، أو مما نعاني منه!
لقد كان فنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي، اتخذ من شخصية حنظلة، شخصية غاضبة مما يحدث للقضية الفلسطينية، فكانت هذه الشخصية موجودة في كل رسوماته، من خلال ظهرها ويديها المعقودتين خلفاً، تعبيرا عن الغضب وفقدان الأمل!
فكم نشعر كثيراً أننا بحاجة إلى أن ندير ظهورنا، ونشبك أيدينا خلفها، ونمضي!