الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا تحولت كما هو معروف إلى حرب طائفية دموية بامتياز. وكل المؤشرات تقول إن السيطرة على هذه الحرب وكبح جماحها لا يملكه أحد؛ لا السوريون بجميع اتجاهاتهم، ولا من يسعون بينهم لأن يتفقوا على صيغة ما في الاجتماع المقبل المزمع عقده في جنيف بين النظام والمعارضة.. حتى لو وصل النظام والمعارضة في جنيف - (جدلاً) - إلى اتفاق - أياً كانت تفاصيل هذا الاتفاق - فإن تطبيقه على الأرض سيكون شبه مستحيل.
المسلحون على الأرض السورية مختلفون على كل شيء؛ فكل فصيل له رؤية وأهداف تختلف عن رؤية وأهداف الفصيل الآخر، فضلاً عن أن الجهاديين الأجانب لهم أجندة أخرى تختلف تماماً عن أجندة السوريين، النظام وكذلك المعارضة سواء منهم في الداخل السوري أو خارج سوريا. الجهاديون لا تعنيهم سوريا، ولا وحدة أراضيها، ولا دماء أهلها النازفة، ولا تشرد أهلها، ولا الدمار الفظيع الذي يلقاك أينما اتجهت، بقدر ما يعنيهم أن تكون (أرض الشام) نواة للدولة الإسلامية الموحدة الممتدة من إندونيسيا شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن تركيا شمالاً إلى بحر العرب جنوباً كما هي في أدبيات الجهاديين. وهم على أتم الاستعداد لحرب العالم أجمع من أقصاه إلى أقصاه فيما لو وقف في طريق تحقيق حلمهم.
دعوني أفترض جدلاً أن نظام الأسد والمعارضة السورية حققوا (المعجزة)، وذللوا كل العقبات، ووصلوا بشكل أو بآخر إلى اتفاق في جنيف.. المعضلة الحقيقية تبقى في كيف سيفرضونه على من لم يقبل أساساً بالمفاوضات من السوريين كالجيش الحر مثلاً، ومن ثم كيف سيفرضونه على الجهاديين الأجانب الذين هم من الآن يرفضونه شكلاً وموضوعاً؟
حتى لو استطاعت المعارضة السورية - جدلاً مرة أخرى - أن تقنع الجيش الحر بطريقة أو بأخرى بالاتفاق فيما بعد، ستبقى المشكلة العويصة في إقناع فصيلي الجهاديين الأجانب الأقوى (جبهة النصرة) وكذلك (دولة العراق والشام الإسلامية) بالحل؟ . هؤلاء مؤدلجون حتى الثمالة، لا سبيل للتعامل معهم إلا الحرب والقتال، فهم أصحاب عقول مغلقة ومتزمتة ولا علاقة لهم بالواقع فضلاً عن الموضوعية، إضافة إلى أنهم محترفو حروب ولا يجيدون غير الحرب؛ ومن التجربة العراقية مع مثل هؤلاء المحاربين المؤدلجين (الأجانب) فإن قتالهم قضية شائكة ومعقدة وعويصة ومرهقة؛ فهم خبراء في حروب العصابات، والكر والفر، وتكتيكات التحرك السريع المرهق للخصم، فضلاً عن أن هناك من سيتدخل ممن له مصلحة في إبقاء الحرب السورية (مشتعلة)، خاصة ممن سيخرجون من الاتفاق خاسرين، كالإيرانيين مثلاً فيما لو تم إزاحة الأسد من سدة الرئاسة، لتنتقل الحرب من حرب بين السوريين والنظام إلى حرب تصفية حسابات إقليمية حطبها هؤلاء الجهاديين ولا شأن للسوريين بها.
كما لا يمكن أن نستبعد هنا عمق الشرخ الذي أحدثته الحرب بين مكونات المجتمع السوري، فالانقسام بين هذه الفئات لا يتوقف فقط على البعد الطائفي، وإنما هناك انقسامات حادة وعميقة بين الطوائف نفسها من الداخل، فهناك عدد كبير من السنة شارك بقوة في الحرب إلى جانب الأسد، والأمر ينسحب على بقية الطوائف الأخرى، سواء من هم مع النظام أو مع المعارضة، هذه الانقسامات ترتب عليها دماء وثارات وخراب ودمار وجروح لن تندمل بسهولة وبجرة قلم في جنيف، وهو ما سوف يُثقل - أيضاً - ملف المصالحة ويزيد من تعقيده.
والسؤال ليس في هل يبقى الأسد أو لا يبقى؛ فذهابه في تقديري قضية محسومة طال الزمن أو قصر، إنما في ما بعد الأسد، وكيف يمكن للمجتمع الدولي وكذلك السوريين التعامل مع هذه القضية وذيولها المعقدة والشائكة وتبعاتها المتداخلة، حتى لو افترضنا أن من سيجتمعون في جنيف سيصلون إلى اتفاق. هذا هو السؤال.
إلى اللقاء.