ينتظر التونسيون بشغف كبير ما ستفضي إليه الجلسة العامة المزمع عقدها صباح اليوم بالمجلس التأسيسي والتي ستخصص لإعادة النظر في التنقيحات التي كانت كتلة حركة النهضة بالمجلس قد أدخلتها على نظامها الداخلي مما نتج عنه انسحاب نواب المعارضة، مصحوبين بنواب حزب التكتل «الحليف الأصغر» للترويكا الحاكمة.
يُذكر أن النهضة التي أقرت بتضاعف الأزمة بينها وبين أحزاب المعارضة وعدد من المقربين منها بعد إقدام كتلها على إقرار التعديلات، عادت لتتراجع عن موقفها حيث أعلن رئيس الكتلة النهضوية الصحبي عتيق عن إلغاء الحركة لهذه التنقيحات مطالباً نواب المعارضة والتكتل بالعودة إلى المجلس والتعجيل بالنظر في القوانين المعلقة والانتهاء من صياغة الدستور.
عتيق كان واضحاً جداً، حيث ربط تراجع النهضة عن التعديلات بإلزام نواب المعارضة على عدم التغيب عن المجلس حرصاً من الحركة على تسريع المسار التأسيسي بما يضمن إعطاء دفع قوي لمساعي استئناف جلسات الحوار الوطني.. إلا أن نواب المعارضة «عارضوا كعادتهم» كل ما يصدر عن المنافس الحاكم، وأعلنوا استعدادهم للعودة صباح هذا اليوم الخميس إلى قبة المجلس على أن يغادروها حال الانتهاء من المصادقة على إلغاء التعديلات محور الصراع القائم حالياً بين النهضة وخصومها من جهة، وصلب حركة النهضة بين شقيها المؤيد للتراجع عن التنقيحات وبين داع للتمسك بها و»عدم التنازل مرة أخرى أمام المعارضة التي تريد إقصاء النهضة من المشهد السياسي ككل»، وفق رأيه.
فالملاحظ أن ما تعيشه الحركة من الداخل أمر غاية في الخطورة لعدة اعتبارات، أهمها أن الجفاء المسيطر على علاقات القيادات النهضوية فيما بينها تحوّل اليوم إلى معارك كلامية خرجت عن أسوار مقرات الحركة وبانت للعيان وللخصوم بالخصوص.. ثم إن اجتماع زعيم النهضة بالشق المعارض داخل الكتلة النيابية للحركة يؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك إصراره على الوقوف في وجه محاولات لمّ الشمل وتقريب وجهات النظر، بالتوازي مع دعوة نواب المعارضة إلى حضور جلسة اليوم لتعزيز التوجه نحو إلغاء التنقيحات بما سيترك أبناء النهضة الرافضين لموقفها الجديد، في التسلل رفقة نواب كتلة «السيادة للشعب» الجديدة التي تضم نواباً من كل الأحزاب تقريباً.
لقد بات من الواضح أن الخلافات التي كانت توصف بأنها مجرد اختلاف في وجهات النظر للحركة وما تفسره قيادات النهضة على أنه دليل على ديمقراطية الرأي صلبها، أصبح بالفعل يشكّل صداعاً في وحدة الحزب الحاكم الذي صار يخشى أبناءه أكثر من أعدائه، بما يعني أن كل قرار يجب أن تعمل له رموز النهضة ألف حساب داخلي قبل إخراجه إلى الرأي العام خشية وقوع انقسام حقيقي قد يعصف بوحدة الكلمة من الداخل ويضعف صلابة قوتها ويسهل بالتالي إقصاء النهضة من طرف خصومها من المشهد السياسي عامة.
في غضون ذلك، أصبح الحديث عن عودة مرتقبة للحوار الوطني خلال اليومين القادمين، شبه مجازفة غير مضمونة العواقب على خلفية أن الأحداث المتتالية وغير المتشابهة إن لم نقل المتناقضة، ستؤدي بكل من يصرح باستئناف جلسات الحوار هذا الأسبوع إلى فقدان مصداقيته.
إلا أن للمحللين السياسيين قراءة أخرى للواقع المتشنج داخل الأحزاب السياسية وخصوصاً منها المعارضة التي لا ترغب في العودة إلى المجلس التأسيسي قبل استئناف جلسات الحوار الوطني، حتى بعد أن أعلنت النهضة عن تراجعها عن التعديلات محور الخلاف.. فالمعارضة التي كانت تشترط ذلك لرجوعها إلى مقاعدها بالمجلس، تخشى اليوم أن يكون قرار الحزب الحاكم مراجعة التنقيحات مجرد مناورة سياسية جديدة للنهضة، غايتها إحداث شرخ في جدار المعارضة المنقسمة أصلاً، على خلفية التقارب الغريب بين حزب نداء تونس والنهضة التي تقود الائتلاف الحاكم.
وكان الحديث المتداول في المنابر الحوارية التلفزية والإذاعية يدور حول صفقة سرية بين النداء والنهضة اعتبرته المعارضة انقلاباً من النداء على بقية مكونات جبهة الإنقاذ المعارضة.
وبالرغم من نفي النهضة والنداء، أعداء الأمس حلفاء الغد، لوجود أية صفقة لاقتسام كعكة السلطة حيث يرجح أن يتسلم النداء قصر قرطاج الرئاسي، فيما تحافظ النهضة على رئاسة الحكومة بالقصبة، إلا أن تصريحات أحد قيادات النهضة وعدد من قياديي المعارضة وتأكيدهم لوجود اتفاق سري بين أعلى هرمي أكبر حزبين في البلاد، أحدث شكاً هنا وهناك دعمته لقاءات الشيخين بالرئيس الجزائري وبسفراء الدول الغربية الفاعلة في الشأن المحلي.
وتجد هذه الشكوك صدى لها في تلميح بعض الأطراف إلى إمكانية عرض بديل عن الحوار الوطني المعلق، يتجسم في تشكيل حكومة وحدة وطنية تتقاسم فيها السلطة بين نداء تونس وحركة النهضة وتشريك بعض الأحزاب «الصديقة» عبر تسليمها بعض الحقائب الوزارية غير السيادية، خصوصاً أن الجميع متفقون على ضرورة الإبقاء على وزير الداخلية الحالي في منصبه في الحكومة الجديدة، التي سيكون فيها نصيب للمرشحين لرئاسة الحكومة من قبل الفرقاء السياسيين ممن تم إخراجهم من سباق القصبة.