ازدادت نبرة الحديث حدة عن إخفاق الجهات الحكومية في تنفيذ بعض المشاريع، بل أصبحت مصدراً للإثارة الإعلامية، وجاذبة للإعلانات التلفزيونية، وقبل ذلك أصبحت مشاكلنا أشبه بنشر الغسيل للعالم، ولا بد من مراجعة تلك الصورة الهزيلة التي يقدمها الإعلام عن تعثر المشاريع الحكومية وعدم تنفيذها بصورة متقنة تواكب القياسات العالمية، وفي جانب آخر نكتب القصائد في تنفيذ المشاريع التي تنفذها الشركات العامة والمؤسسات العامة التي تخضع لرقابة من مجالس إداراتها وملاكها، كان من علامات الفشل التنفيذي عند بعض القطاعات العامة أن يتم توجيه شركات مثل أرامكو لتنفيذ المشاريع العملاقة، وذلك رغبة في الاستفادة من خبراتها في مقابل ضعف الإتقان في التنفيذ عن الجهات الحكومية.
ذلك لا يجب أن يمر مرور الكرام، ولا بد من مراجعة الأسباب التي أدت الوصول إلى تلك الحالة، ولماذا تتعثر المشاريع؟ ولماذا تفشل الجهات التنفيذيه الرسمية في إتمام مشاريعها على أكمل وجه؟ ولكن كيف تقيم تلك التجارب، وما هو الحل؟ والذي لا يمكن أن يخرج مما توصلت إليه التجارب العالمية، وهو تحويل فلسفة العمل الحكومي من تقديم الخدمات إلى ثقافة الاستثمار، أي أن تتغير الرؤية من جهة تقدم خدمات عامة إلى جهات تقدم مشاريع استثمارية لها عوائد مجزية، وتخضع لنظام الحوكمة، وبالتالي تحرص على تقديم الجودة على تقسيم المنافع بينها وبين الجهة المنفذة.
كان من أهم خطوات الإصلاح الاقتصادي في الوطن أن تتحول الشركات التي تُدار بملاكها إلى شركات مساهمة يديرها مجالس إدارة لا تغيب تقاريرها عن رقابة الملاك من خلال معايير الرقابة والشفافية، وأن يكون هناك قوائم مالية دورية، تبين المصروفات والموارد، مثلما حصل مع عدد لا حصر له من الشركات والبنوك، كذلك حدثت نقلة في شركة الكهرباء وسابك بعد تحويلها إلى شركات مساهمة تملك فيها الدولة النسبة الأكبر، كان من نتائجها أن أصبحت تُدار من خلال إدارة حديثة وتخضع لرقابة دورية، وبالتالي تم الانتقال في هذه الخدمات إلى ثقافة الخصخصة لمحاربة الفساد الإداري، ومعالجة الترهل التنفيذي في بعض القطاعات.
من الإشكاليات الحالية التي نواجهها عند كثير من القطاعات أنه لا توجد مرجعية تنفيذية تتم محاسبتها من قبل مجلس إدارة معتمد، مما أدى إلى زيادة تعثر المشاريع الرسمية، وصعوبة مراقبتها من قبل جهات ليس لها سلطة قانونية على المسؤولين، قد يبدو هذا الحل طوباوياً، لكنه سيكون الحل النموذجي لمعالجة قضايا سوء التنفيذ في القطاعات العامة، وقد يكون الحل ليس ملائما لكل القطاعات الحكومية، ولكن ربما لأغلبها، ومنها أن نختار على سبيل قطاع المقاولات التي تنفذ المشاريع الحكومية الكبرى، وأن يتم تأسيس شركة مقاولات عامة تملك الدولة الحصة الأكبر، ويتم طرح بقية أسهمها للاكتتاب.
وأن يتم تحويل الجامعات والمستشفيات المتخصصة إلى نظام المؤسسات العامة التي تخضع لملكية الدولة، ولكن تخضع إلى رقابة مجالس إدارة، مثلما حدث مع شركة المياه والمؤسسة العامة للتدريب والتحلية، ومنها أيضاً أن تتحول مشاريع الطرق إلى شركة مساهمة تستثمر الأموال في تأسيس الطرق العملاقة، ويكون على استخدامها ضريبة، وذلك لضمان استمرار صلاحية الطرق، وفي نفس الوقت تخضع مشاريعها للرقابة من قبل مجلس الإدارة، كذلك أن تتحول الأمانات البلدية إلى أشبه بنظام الشركات الذي يستفيد من استثمار المواقف في الشوارع، والاستفادة من عوائدها المالية، وتملك الصلاحية في تحصيل الرسوم وفرض الغرامات على المخالفات التي تشوه شوارع المدينة، وأن تستثمر أموالها في استمرار خدماتها البلدية.
كان سبب النجاحات التي حققتها بعض الدولة المجاورة في اتباع إدارة مدنها وطرقها وخدماتها من خلال عقلية اقتصادية واعية بمعايير الربح والخسارة، وقد كان من نتائج ذلك التحول خروجها من النمط التقليدي في الإدارة إلى أساليب الإدارة الحديثة التي تحرص على تصرف الأموال في مواقع تخدم أهدافها الاقتصادية، وما يحدث الآن في بعض قطاعات الوطن الخدمية هو فلسفة تقديم الخدمات والمعونة من خلال أساليب خدمية خالصة عفى عليها الزمن، كان من آثارها أن تعثرت المشاريع، وأدى ذلك إلى البحث من أعلى سلطة في البلاد عن الخبرات في الشركات العملاقة لتنفيذ بعض المشاريع العملاقة مثل جامعة الملك عبدالله واستاد الملك عبدالله في جدة.