لا أظن أن أحدا لم يري هذا المنظر... أطفال صغار في السنة الأولى وربما لم يتمكنوا من المشي بعد لكنهم قادرون على العبث بجوالات والديهم و قد تعلموا لمس الشاشة وتحريكها في كل اتجاه وتغيير الأصوات والصور... وكما رأت عدد من الدراسات الحديثة فإن الكثير من آباء الأجيال الجديدة يستخدمون هواتفهم الذكية مع صغارهم مثل (الببي سيتر)
أي لإلهاء الأطفال الصغار وإشغالهم وخاصة حين يكونون مشغولين أو في حضرة آخرين إذ منذ أن يبدأ الطفل في التململ أو البكاء أو الحركة فإن أقرب ما يمكن لإسكاته هو إعطاءه جهاز الهاتف للعب به وتحريك شاشته وهو الأمر الذي استغلته عدد من شركات الكمبيوتر فقامت بإعداد الكثير من البرامج المناسبة لهذه الأعمار مثل الكتب المصورة والأحجيات والألغاز والتي وجدت إقبالا كبيرا من الأباء بل قامت اليوم شركات متخصصة لإنتاج البرامج والتطبيقات المخصصة لهذه الفئة العمرية!.
الخبراء التربويون يحذرون من ذلك فاستعمال هذه الأجهزة في هذه السن المبكرة وخاصة خلال السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل وهي الأكثر أهمية في النمو قد يؤثر على نمو الطفل العقلي وعلى الوظائف الحيوية للمخ إضافة إلى التأثيرات الجسمية كما أفادت بذلك المنظمة اليابانية لأطباء الأطفال والتي وجدت من خلال دراساتها التتبعية أن بعض الآباء يعطي هاتفه الذكي للطفل ليشغله لكن الأم أو الأب انفسهم ينشغلون عن صغارهم إما بالكمبيوتر أو بمحادثات هاتفية أو حتى أداء بعض الأعمال المنزلية بما يمكن أن يهدد سلامة الصغار.
وقد أوضح رئيس الجمعية د هيرمويا يوتسومي أن هذه الأجهزة تعطل التفاعل اللفظي والعاطفي ما بين الأطفال وذويهم بما يقلل من فرص نموهم العقلية واللفظية ويدفع بالعلاقة بين الأم وطفلها أن تكون سالبة خاصة وأن معهد بينيز للأبحاث التربوية وجد من خلال عينة مكونة من 3000 أم أن 60% منهن لديهن هاتف ذكي وأن 80% منهن دون سن 29 سنة وأن 20% منهن يسمحن لأطفالهن ممن هم دون الثانية بلمس شاشة هواتفهن واللعب بها ومشاهدة بعض التطبيقات الذكية عليها.
وقد أشارت الدراسة المذكورة إلى أن حركة الطفل ولمسه الشاشة في هذه السن المبكرة قد يؤثر على نمو العضلات الصغرى في يديه إضافة إلى آثاره السالبة على حواس الطفل الخمس بشكل عام.
ماذا عن أمهات الفيس بوك ؟ ومن لا يملك واحدا اليوم خاصة وأن الكثير من الخصوصية تتوفر به بما لا يحققه توتير مثلا ولذا يستخدم الجميع تقريبا صفحاتهم على الفيس بوك لاستعراض صور أطفالهم في أفراحهم وحفلاتهم ولحظاتهم الخاصة ومع أصدقائهم وخلافه من الأخبار التي يحب الشخص أن يضعها على صفحته ولذا تمتلئ تلك الصفحات بصور الصيف والملابس والأطفال الأنيقين والحفلات الخاصة ومن هنا برزت هذه المشكلة الجديدة.. إذ وجدت إحدى الدراسات أن الأمهات يتأثرن بما يرين في صفحات زميلاتهن فتبدأ المقارنات في لباس الطفل وشكله ومدرسته وكيف يقضي وقته مما أوجد أعباء اجتماعية ومادية جديدة على كاهل الأسر الجديدة !؟ بل وجدت الدراسة أن الكثير من الأمهات أصبحن يخجلن من أطفالهن لوجود نموذج مثالي وجميل ومكلف تعرضه الأمهات الأخريات من خلال استعراض صور أطفالهن وحفلاتهن مما ولد قلقا كبيرا في درجة الرضا عن الذات والطفل بينهن ووضع مستويات وتوقعات أكبر من الواقع بدأت ترهق كاهل الأبوين؟ والغريب أنه في حين تتوزع ظاهرة (إلهاء) الأطفال بالجوال بين الأمهات والآباء.. تبقى ظاهرة قلق الفيس بوك قصرا على الأمهات !
كل هذه الدراسات بالطبع في الغرب أو في دول متقدمة في الشرق مثل اليابان لكن الظاهرة متكررة ونراها بيننا باستمرار بما يدفعنا إلى إطلاق صيحات التحذير من (سلبية التفاعل اللفظي والعاطفي مع الطفل) من خلال هذه الأجهزة خاصة وأن أطفالنا في كل الأحوال لا يتفاعلون بدرجة جيدة مع الوالدين لبقائهم مع العاملة المنزلية التي تجهل اللغة أساسا كما أنها ليست أم أو مربية معتمدة وإنما مجرد عاملة منزلية أضيف لأعبائها المنزلية شأن رعاية الصغار؟
هل سيكون الأمر سهلا ؟ بالطبع لا فمن يجرب تربية الأطفال (وخاصة) بعض الأطفال ممن يمتازون بنشاط زائد يعرف جيدا صعوبة سيطرة الأم على طفلها خاصة في حضرة آخرين كما نعرف صعوبة التخلي عن التعلق الزائد بالفيس بوك أو توتير كما في حالة كثير من الأباء والأمهات لكن مجرد التفكير في حساسية مرحلة النمو العمرية التي يمر بها الطفل خلال مرحلة الطفولة المبكرة يجعلنا ندرك خطر هذه الأجهزة.. لكن وحتى لو اقتنعنا بخطورة ذلك على الأطفال فكيف يمكن الحد منه؟
وجدت الدراسة أن الحل الجذري لذلك هو بالحد من استخدام الهاتف ككل من قبل الأبوين وبالتحديد إلغاء الواتس أب تماما مجموعات وأفرادا وهذا سيقلل من أن تتسلل اليد بشكل تلقائي للحقيبة لتقليب الرسائل أو ملاحقة مشاهير التوتير كما أوصت الدراسة بحمل كتاب ملون ومصور ومحاولة إشغال الطفل والتحدث معه أثناء ملله أو لتهدئة نوبات غضبه وكان الله في عون أمهات الهواتف الذكية والفيس بوك!