إنْ تحدثت عن شخص وصاحب مقام، وصاحب فكر، وقلم سيّال، كمعالي الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزير التربية والتعليم السابق، فقد لا يسعفني المداد كي أوفي هذا الرجل حقه وأنصفه، وأكتب كلاماً يليق به!!
وها هو يرحل، ويغيِّبه الموت في صمت دون ضجيج، ودون وداع، تاركاً هذه الدنيا لأصحابها، وليخلف وراءه: فكره النيِّر، ومؤلّفاته النافعة بإذن الله، وعلمه الذي يفخر به الآخرون قبل أبنائه، والقاصي قبل الداني!!
فلقد كان نعم الرجل علماً، وفكراً، وتواضعاً، ودماثة خلق، وابتسامة صادقة دون تصنُّع، وقد عمل جاهداً من أجل تطوُّر هذا البلد، فنذر نفسه - سواء كان في منصب أو غير منصب - لخدمة هذا الكيان الشامخ، وكان الابن البار.
إنّ سيرته الذاتية العطرة تتحدث عنه حينما تولّى عمادة كلية التربية بجامعة الملك سعود، وإدارة مكتب التربية العربي لدول الخليج العربية، وعضويته لمجلس الشورى، ثم وزيراً للتربية والتعليم، أضف إلى ذلك عضويته ورئاسته للعديد من اللجان والمجالس التربوية التي تجاوزت مائتي مشاركة، ونيْله عدداً من الجوائز من جهات علمية وعربية وأجنبية نظير جهوده العلمية المتميّزة في مجالات تخصُّصه، ناهيك عن عدد غير يسير من الكتب العلمية التربوية والكتب الدراسية والمراجع العلمية المحكمة والبحوث والمقالات المنشورة التي لا يتسع المقام لتعدادها.
وقد كان لي مع معالي الدكتور الرشيد احتكاك عندما تشرّفت بأن أكون سكرتيراً خاصاً له في مجلس الشورى في بداية إنشائه، وقمت بعمله على أكمل وجه، ولكنه لم يعاتبني يوماً من الأيام على شيء، أو يرفع صوته، أو يتذمّر!! فقد كان مربياً قدوة يشار إليه بالبنان!!
إنّ غياب شمس عَلَم من أعلام الفكر كالدكتور محمد الرشيد في هذا الوطن، سيترك فراغاً كبيراً في هذا الوطن، وسيفتقده المثقفون، والأحبة والأبناء، والأصدقاء، حينما تفاجأ الجميع بموت هذا العَلَم الشامخ!!
وفي الوقت ذاته الذي يشيّع الجميع جثمانه الطاهر، ويترحّمون عليه من القلب، فإني أرجو أن يكون هناك احتفال تأبيني تظهر مآثر ذلك الرجل الممتلئ ثقافة وفكراً وحيوية.
كما آمل من وزارة التربية والتعليم أن تسمِّي إحدى القاعات أو المعالم باسمه، بالإضافة إلى أن تسعى أمانة منطقة الرياض إلى تسمية أحد الشوارع باسمه!!
ولا يسعني في هذا المقال إلاّ أن نسأل الله له الرحمة والمغفرة، وأن يثبته عند السؤال، وأن يبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأن يرزقنا وأبناءه، وآله وذويه الصبر والاحتساب على هذا المصاب الجلل، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.