أكثر من ستين ألف إثيوبي من مخالفي الإقامة النظامية في المملكة تم القبض عليهم، أو ممن بادروا إلى تسليم أنفسهم في مدينة الرياض، أقول مدينة الرياض، وليس منطقة الرياض، والرياض مدينة واحدة في المملكة، فكم عدد المخالفين إذا ما اعتبرنا أن هناك مدناً أقرب مسافة إلى أماكن تسلل الإثيوبيين التي يأتي منها هؤلاء المخالفون.
هذا العدد الكبير من المخالفين الذين أمكن الوصول إليهم، سواء بالقبض عليهم أو بتسليم أنفسهم يُوحي بأن هناك أعداداً أخرى ما زالوا طلقين سواء في الرياض المدينة أو محافظاتها، أو في المناطق السعودية الأخرى وبخاصة المناطق الجنوبية والمدن الساحلية التي يتسلل منها الإثيوبيون وغيرهم.
طبعاً، الإثيوبيون ليسوا وحدهم المخالفين، فهناك جاليات عديدة يُشكِّلون أكثرية، ومع أن الكثير منهم قد عالجوا أوضاعهم، إلا أن هناك الكثير من المخالفين الذين ما زالوا يقيمون في أماكن تعرفها تماماً أجهزة الأمن، وهذه التجمعات وإن لم ترتكب أعمال عنف، إلا أنها تقيم إقامة غير قانونية، وتُشكّل خطورة على الأمن والمنتظر أن تتم معالجة أوضاعها حسب الأولويات التي وضعتها الأجهزة المسئولة لمعالجة أوضاع المخالفين.
ظاهرة التخلُّف والسلوك العنيف والإجرامي لبعض الجاليات، حالات تتطلّب الدراسة والمملكة تحوي الكثير من الجامعات التي تضم أقساماً للدراسات الاجتماعية والسلوكية بأقسام علم النفس، كما أن جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية، تُعد جامعة متخصصة لمثل هذه العلوم، فهل قامت هذه الجامعات بدراسة هذه الظاهرة كحالة تتفاقم ليس في المملكة العربية السعودية، بل هي منتشرة في مناطق كثيرة من العالم وتأخذ صوراً عديدة، منها تسلل الجيران والهجرة العابرة للدول والقارات، والهجرة غير الشرعية عبر البحار التي ظهرت بعد غرق المئات من المهاجرين، وخصوصاً المتوجهين إلى أوروبا، إلا أن هناك الملايين من المهاجرين غير الشرعيين الذين يتسللون عبر الحدود، وهو ما تُعاني منه أمريكا التي غيّرت الهجرات اللاتينية في ديمغرافيتها، وأصبح العنصر اللاتيني رقماً مؤثراً في الانتخابات الأمريكية، ونحن هنا في المملكة نعاني من مشكلتين تسببتا في رفع معدلات المخالفين للإقامة، وهما: التسلل عبر الحدود مع اليمن، والمتسللون لا يقتصرون على اليمنيين فقط، بل هناك العديد من الجنسيات الأفريقية الذين يفوقون اليمنيين أعداداً، وبالذات من الإثيوبيين والصوماليين.. أما المشكلة الأخرى فهي تخلُّف من قدموا للمملكة لأداء العمرة والحج، وإذا أمكن إلى حدٍ ما معالجة المتخلفين من المعتمرين والحجاج بضبط سفرهم بعد أداء المناسك مع الشركات التي تستقدم المعتمرين والحجاج، فإن مشكلة المتسللين تحتاج إلى حزم ومتابعة أفضل مما تحقق حتى الآن، بالرغم من كل الجهود المبذولة التي تُقدم من الأجهزة المعنية.
إذن، عناصر البحث متوفرة والعينات موجودة، وأدوات البحث، والمؤسسات العلمية والأكاديمية متواجدة والحمد لله بكثرة على أرض المملكة، فلماذا لا تُسارع الجامعات ومراكز البحث في أجراء بحوث لدراسة هذه الظاهرة وأبعادها واستنباط حلول لمعالجتها.