يغالي فريقان من الناس في التعاطي مع مسألة الطب التكميلي، فمنهم من يرى فيه الدواء الناجع لجميع الأمراض، ويدعو إلى العودة للطبيعة ومقاطعة العقاقير الطبية والعلاجات الحديثة، ومنهم من يعتقد بأن الطب التكميلي برمته قائم على خرافات واعتقادات خاطئة غير مثبتة علمياً، ويبدي تخوفه من أضراره الكبيرة على صحة الإنسان.
وبين هاتين النظرتين تبرز رؤية موضوعية انتهجتها العديد من الدول التي قطعت شوطاً في التعامل مع ملف الطب التكميلي، وتدعو تلك الرؤية للاعتراف بممارسات الطب التكميلي التي يثبت مختبرياً وسريرياً جدواها العلاجية، بل تمضي لأبعد من ذلك لإدخال ممارسات الطب التكميلي الموثوقة والمثبتة علمياً ضمن النظام الصحي الأساسي كما حدث في بعض الدول الغربية. وفي سياق الجهود الدولية لتحقيق ذلك، قامت منظمة الصحة العالمية في عام 2002، بوضع إستراتيجية في مجال الطب التكميلي، ترمي إلى مساعدة البلدان على استكشاف الإمكانات التي يتيحها ذلك الطب لصحة البشر وعافيتهم، وإلى الحد من المخاطر المحتملة الناجمة عن تعاطي الأدوية التي لم تثبت نجاعتها أو تعاطي الأدوية على نحو ضار، والنزول بتلك المخاطر إلى أدنى مستوى. والهدف الأساسي من تلك الإستراتيجية هو التشجيع على إجراء المزيد من البحوث في هذا المجال.
كما قامت المنظمة بعمل الخطة الإستراتيجية للسنوات العشر هذا العام، وقد شارك المركز الوطني للطب البديل والتكميلي في لجان إعداد هذه الإستراتيجية.
ولعل مما يدعم ضرورة أن تأخذ أنظمة الرعاية الصحية في الحسبان الطب التكميلي وممارساته المختلفة ومحاولة احتوائها وإثباتها عملياً ودمجها في أنظمتها العلاجية، هو التزايد الكبير في أعداد المتعاملين مع هذا النمط من الطب التقليدي، إذ تشير الدراسات الى أن نحو ثلث سكان العالم يتعاملون بشكل أو آخر مع هذا النوع من العلاجات التقليدية، وخصوصاً في كثير من الدول التي يشكل ارتفاع قيمة العلاج بالطرق الحديثة، أو تلك التي لا تتوفر فيها الرعاية الصحية بالنسبة للسكان بسبب الفقر، حيث يمكن في هذه الحالات للطب التكميلي أن يكون المورد الصحي المتاح الأقل كلفة في علاج كثير من الأمراض، خصوصاً تلك التي أثبت فاعليته في علاجها.
لقد سعت العديد من الجهات المختصة كمنظمة الصحة العالمية ومراكز البحوث العملية للعمل على إثبات الجدوى العلاجية للعديد من المنتجات والممارسات التي تدخل في نطاق الطب التكميلي، للمساعدة على تحقيق توجه دمج تلك الممارسات في النظام الصحي الحديث وزيادة الموثوقية والمأمونية، ومن تلك الجهود أن اعتبرت منظمة الصحة العالمية وصنفت 43 حالة مرضية يمكن أن تكون معالجتها فعالة بطرائق الطب البديل والتي على رأسها الحجامة والوخز بالإبر، منها: الأذيات العضلية العظمية - الاضطرابات الهضمية - والإصابات التنفسية - ومشكلات الصحة المتعلقة بالنساء.
وفي المقابل وحيث يتزايد تخوف الأطباء من قطاع الطب الحديث أثبتت دراسات وحالات عملية في بلجيكا على سبيل المثال، بأن 70 شخصاً على الأقل احتاجوا لغسل كلوي أو تعرضوا الى مشكلات في الكلى بعد أن أخذوا خلطات عشبية للمساعدة بانقاص الوزن، وكانت هذه الخلطات مصنوعة من الأعشاب الخاطئة أو الأنواع النباتية غـير السليمة.
ومن هنا تبرز الحاجة لضرورة احتواء الطب التكميلي ضمن نظام الرعاية الصحية ومحاولة إثبات جدوى ممارساته المختلفة ومنتجاته عن طريق مزيد من الدراسات والبحوث المخبرية والسريرية بما يضمن في الأخير سلامة المتعاملين والمرضى في ظل وجوده كواقع في حياة كثير من الشعوب واعتقاد الكثيرين فيه، والحاجة ماسة للتنظيمات التي تضمن مأمونيته وتضبط ممارساته وممارسيه.