لا أحسب أن في محتوى مقررات الدراسة منذ نشأة التعليم في هذا الوطن ما يسيء للآخر، ولا أذكر أننا تعلمنا، أو حين عَلمنا أننا تلقينا، أو ألقينا ما فيه إساءة للآخر..
فما الذي يمكن أن يغيَّر في محتواها الآن..؟ إلا إن كان الذي يُقصد هو استحداث جديد فيها لهذه الأهداف وهو تفاعل حيوي مع الواقع، لكنه لن يكون بتقليص مقررات الدين، واللغة العربية، أو إجراء أي حذف منها.. فهما على واقعهما لا يشبعان نهم معرفة التأسيس، ولا تأسيس المعرفة..
بل ربما يناسب الأمر في تحديث تخطيط المناهج، وذلك بإضافة أهداف جديدة ضمن أهدافها تشير إلى قيم «الحسنى»، و»الرفق»، و»القبول»، و»التعارف»، و»التبادل»، و»التحاور»، وكثير غيرها من الأهداف التي ترمي لأن تؤسس معلومات، مهارات، وقيم حسن التعاشر مع الآخر، دون إخلال بمنهج يقوم على ربط المعارف بالرسالة الأساس..
لأن المناهج في الواقع، هي ذاتها فيها قصور كبير من حيث ربط الدارس مع خبرات الواقع المعاصر من جهة...، وتعزيز خبراته وجدانيا، وفكريا بدينه من جهة...، وتأسيس معارفه على سعة تمكنه من العلوم التي يتلقاها تطرد مع كل جديد مُنجَز من جهة أخرى...،وتهيئ مهاراته لممارستها في مجرى حياته كما ينبغي...!
إذ لا يزال الدارس في كثير يتلقن، لا يتلقى...، ويمر، لا يقف..، ويعرف، ولا يعرف..!
حقيقة هناك ثقافة تلزمها طبيعة الحياة..، وعصر تتواكب فيه الخبرات..، وعلاقات تتوطد بفعل التقارب، والتبادل..، وكل ذلك يحتاج لتنمية الأذهان..، ودربة النفوس..، وتوسيع الخبرات..، وتدريب مهارات التواصل..، وإشاعة التآلف، ونقض الخلاف..، بدءا بالأقرب من يشارك اللقمة، والنسمة، وقطرة الماء، وأسمال الستر،...ووصولا إلى الأبعد من يختلف فكرا، وتاريخا، ودينا، ولغة..، لكنه يشارك في الحياة بسعتها، وفي التبادل بكثرته.. وأساليبه، وطرقه التي ينبغي معرفتها وقبولها والتفاعل الحيوي الحضاري معها..
آن للكثير من الأفراد في كل مجتمع بشري، وفي مجتمعنا أن يعوا بأن الحياة لا تُبنى، ولا تجمل إلا بالقبول، وبالحسنى، وبالرفق، وبالتقارب، وبالتفاهم..، وبنبذ الخلاف، وبتذويب الكره..، في ماء اليقين بحجة اللسان، ومتانة البنان، ونقاء الجِنان..
وآن لمؤسسات التعليم أن تأخذ بالحسنيين في هذا التوجه، توطيدا للأوتاد..، وإمدادا للجسور..،
تلك العصا بين الأوتاد لتضرب بثقة، وثبات، وللجسور لتمتد في رحابة، واطمئنان..