يكاد الأسبوع ينتهي ولا خبر عن تحديد موعد لاستئناف جلسات الحوار الوطني وقد خفتت أصوات السياسيين الذين كانوا يعلنون عن انطلاق جولة جديدة من الحوار في غضون الأسبوع الجاري، (باعتبار أن أسبوع العمل في تونس ينتهي مساء يوم الجمعة وأن يومي السبت والأحد هما يوما راحة أسبوعية)، وتدل كل المؤشرات على صعوبة، إن لم نقل استحالة، عودة الفرقاء السياسيين إلى طاولة الحوار في الوقت الراهن.
فالخلاف حول شخصية رئيس الحكومة الجديد لا يزال على أشده مثلما كان عند تعليق الرباعي الراعي للحوار لأعماله، ومبدأ تلازم المسارين الحكومي والتأسيسي الذين وضعهما علي العريض كشرط لاستقالة حكومته، متعطلان لأسباب يطول شرحها، وكنا أتينا عليها في تقارير سابقة، بالإضافة إلى ما أصدرته المحكمة الإدارية من قرارات تقضي بإيقاف أعمال لجنة فرز الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
إلا أن ما أقدمت عليه كتلة النهضة بالمجلس التأسيسي وجه ضربة موجعة للمسار التأسيسي ككل وجعل نواب المعارضة ينسحبون من المجلس مرة أخرى في ظرف أشهر قليلة وهم معززين هذه المرة بنواب حزب التكتل الضلع الثالث للترويكا الحاكمة.
ولا تزال أحزاب المعارضة وخاصة منها الجبهة الشعبية متمسكة بشدة بشروطها للعودة إلى التحاور من جديد مع الائتلاف الحاكم ومن يسانده صلب الحوار الوطني المتعطل، من ذلك إصرارها على إلغاء التنقيحات التي أدرجتها النهضة على النظام الداخلي للمجلس التأسيسي والتخفيف من مقاييس اختيار المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة، ووجوب الاتفاق مسبقا على أن قرارات الحوار لا يتدخل فيها المجلس ولا يعارضها وبالتالي اعتبارها إلزامية وجب التعجيل بتنفيذها.
وهذا الشرط الأخير بالذات هو السبب الرئيسي الجديد الذي سيزيد الحوار تعطيلا وسيضعف من الجفاء المسيطر على علاقات المعارضة بالترويكا وأساسا بالحزب الحاكم. فالنهضة ترى بأن المجلس التأسيسي هو السلطة الشرعية الوحيدة في البلاد، ولذلك ناضلت منذ اغتيال السياسي محمد البراهمي يوم 25 يوليو الماضي من أجل أن يبقى المجلس كذلك، حتى أنها ضحت بحكومة ابنها علي العريض مقابل الحفاظ على المجلس الذي تملك فيه الأغلبية.
ومما لا شك فيه أن ما لاحظه المراقبون للساحة السياسية هو الأقرب للواقع، حيث يعتقدون أن المعارضة ترغب في لي ذراع النهضة عبر اشتراطها عدم تعرض المجلس لقرارات الحوار الوطني والحال أن العكس هو الصحيح بالنظر إلى شرعية المجلس الانتخابية، في حين أن الحوار تشكل من قيادات حزبية لا رأي فيها للشعب الذي لم يخولها لتحل محله، فيما انتخب التونسيون مجلسا عولوا عليه لصياغة دستور جديد ولينوب عنه في عملية الانتقال الديمقراطي.
وتقول مصادر إعلامية هنا: إن النهضة التي كانت أضعف طرف غداة العمليات الإرهابية المتعددة التي شهدتها تونس منذ فبراير 2013 تاريخ اغتيال السياسي شكري بلعيد، وكانت محل انتقادات لاذعة من قبل المعارضة، عرفت من أين تؤكل الكتف وانتهجت سياسية «سنبلة القمح التي تحني رأسها كلما مرت بها الرياح، فإذا ما راق لها الجو عادت إلى شموخها.»
وفي المقابل، اهتزت صورة المعارضة لدى التونسيين الذين قابلوا دعواتها لهم للتظاهر في الشارع بالكثير من اللامبالاة التي تشير إلى تراجع أسهم المعارضة في سلم اهتمامات الرأي العام المشغول بأمور معيشته التي أصابها التدهور وعكرتها الأعمال الإرهابية وفقدان الأمن والاستقرار.
في غضون ذلك، أشار عميد المحامين والناطق الرسمي باسم الرباعي الراعي للحوار، محمد الفاضل محفوظ «إلى وجود بوادر مشجعة لإنهاء اختلافات وجهات النظر بين طرفي الصراع، معلنا أن آخر الأسبوع القادم سيكون موعد انتهاء السقف الزمني الذي حدده الرباعي للتوافق بشأن اختيار خليفة علي العريض على رأس حكومة الكفاءات المستقلة المنتظر تشكيلها.
وفي السياق ذاته، جدد الشيخ راشد الغنوشي تمسك حركة النهضة التي يتزعمها بترشيح السياسي المستقل محمد المستيري لترؤس الحكومة القادمة فيما أوضح المستشار الإعلامي للحركة أنه من المرجح أن تقتنع المعارضة بوجاهة اختيار النهضة وإلا فإن خيار «حكومة الضرورة سيكون هو الحل بما يعني مواصلة حكومة الترويكا مهامها إلى حين تنظيم الانتخابات، في وقت تتداول فيه وسائل الإعلام أسماء مرشحين آخرين كانت المعارضة رفعت في وجوههم «الفيتو» رافضة حتى مجرد مناقشة ترشيحهم بدعوى انحيازهم للحزب الحاكم.
والحقيقة أن التونسيين الذين سئموا تلاعب السياسيين بالمصلحة العليا للبلاد، مهتمون في الوقت الراهن بمتابعة أخبار تجدد انفجارات الألغام التي زرعتها الجماعات المسلحة في محيط جبل الشعانبي بمحافظة القصرين بالجنوب التونسي، والتي أدت إلى جرح عدد قليل من المتساكنين الذين غامروا باختراق المنطقة العسكرية المحظورة هناك سواء بهدف جمع الحطب أو لرعي الأغنام.
وأكد مصدر عسكري، أن المعاينات الأولية للانفجارات الحاصلة خلال الثلاثة أيام الماضية، تشير بما لا يترك مجالا للشك، إلى أن المسلحين تولوا حديثا زرع هذه الألغام، بما يدل على استمرار وجود العناصر الإرهابية في جبل الشعانبي ومواصلتها التخطيط لأعمال إرهابية جديدة والمرور إلى التنفيذ بالرغم من المحاصرة اللصيقة التي تفرضها القوات الأمنية والعسكرية على المنطقة ككل.