بدأنا نلمس ظاهرة التسول ونشاهدها تتسع وتنتشر في مجتمعنا السعودي، أعلم جدياً أن لها أسبابا ودوافع كثيرة لكن في مجال الحالات الفردية فقط، وإن طبقت بشكل عام فإننا هنا ننتقل إلى فكرة أخرى ألا وهي المجتمعات الفقيرة، والمجتمعات الفقيرة لا تتسول من بعضها إلا إذا كان هناك فوارق هائلة بين طبقات المجتمع الواحد، وكلها لا تنطبق على مجتمعنا السعودي أبداً، لأن التسول وإن بدأ كظاهرة فإنه يصبح لاحقا مهنة ومؤسسة تدميرية.
بنظرة سريعة أثناء التوقف على الإشارات الضوئية ستجد أن العملية منظمة ومنسقة على فترات اليوم كله، ليست هناك حاجة ملحة ألمت بإنسان فذهب ليطلب العون من أخيه الإنسان، نفس الأشخاص تجدهم يغطون فترات صباحية على إشارات محددة، ثم في الفترات المسائية يستلم المناوبة أشخاص آخرون وهكذا، لو كان الأمر حاجة ملحة ستجد أن المتسول حين يحصل على مبتغاه ينصرف إلى شؤون حياته، أما أن يلتزم بدوام رسمي من الصباح إلى المساء فهذه مهنة وحرفة له، أطفال بعمر الورود يتنقلون بين السيارات في أوقات الحر الشديد، صبغت ألوانهم من أشعة الشمس، نساء حوامل أو يحملن أطفالا يتنقلن بين هنا وهناك، ناهيك عن الوجود المستمر في المولات والتجمعات التجارية والسكنية والمساجد، الموضوع أخذ في الانتشار والتوسع.
قصة اليمني الذي عاد إلى بلده غنيا والتي أخبرها بنفسه أنه جمع أمواله من التسول أصبح لها الأثر السيئ في نفوس الكسالى، ربح سريع بدون تكاليف، مجرد جهد بدني واستخدام عضلات اللسان، مع مؤثرات خاصة بالأطفال أو الحوامل أو ذوي الإعاقات، حين ترى شابا معالم الصحة واضحة عليه يطلب منك ريالاً تستغرب، لو أنه طلب مسح السيارة أو زجاجها لأخذ أكثر من ذلك بكثير، امرأة تتسول ولو عملت خادمة في منزل لكان خيراً وأفضل لها، لن أقول: إن العملية تأخذ الفكر التنظيمي الاستثماري فقط بل سأزيد على ذلك وأقول التنظيمي العصابي، فهم أخذوا بتشكيل عصابات كل عصابة لها منطقتها وحيزها وأفرادها.
مجتمعنا بخير- والحمد لله-، ولا أحد يحتاج إلى أن يتسول ليأكل، لو دخلت على مطعم وطلبت وجبة وأخبرتهم أنه ليس معك ما تدفعه ستجد كثيرين يرحبون بك، مجتمعنا لا تنقصه فرص العمل، العديد من العمال الآسيويين الذين في المساء يمسحون السيارات وينظفونها وجدوا لأنفسهم مصدر رزق بعرق الجبين، آن الأوان لوقفة مستعجلة للحد من انتشار هذه الحالة في مجتمعنا، فهي ظاهرة سلبية لن ينتج عنها إلا ظواهر سلبية أكثر حدة وخطورة، نقرع الجرس الآن قبل أن ندخل في متاهات لا نحتاجها.