«الجزء الأول»
تأليف الدكتور بدر بن أحمد كريّم
قراءة: حنان بنت عبد العزيز آل سيف - بنت الأعشى -
أبو ياسر الدكتور بدر بن أحمد كريّم رجلٌ من رجالات الإعلام البارزين، له هيبة إعلامية، وتدفق معلوماتي، ونشاط بهي ماتع، في هذه القراءة التي تقف بين يديك عزيزي القارئ.. حروفها، تجد شخصك إزاء شخصية إعلامية مميزة، تقلَّد فارسها روح التحدي والصبر والطموح تاركاً أثراً واضحاً في كل مكان تواجد وأنجز فيه، وهو مضرب المثل والمثال في العصامية والاعتماد على الذات وتطوير القدرات، والهمّة والإرادة والارتقاء ولله در من قال:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
ويعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
أبو ياسر من رجالات الإعلام ركض بين معالمه أكثر من ثلاثين سنة فأثر وتأثر، وبرز فأبرز تاركاً بين يديك أيها القارئ العادل مسيرته الإعلامية، وسيرته الذاتية، وتسياره في الحياتين العلمية والتعليمية، فكن عادلاً.. فالمقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن.
وهذا الجد والصبر والنضال والكفاح جمعه بين دفتي كتاب ماتع، في التقاط الإعجاب لامح، وهو سيرته الذاتية التي تقع بين يديك أيها القارئ الحصيف قراءتها، يقول أبو ياسر في إهداء الجزء الأول منه كلمات أنيقات أسوقها لك على نظمها النثري لتعزف منها سيمفونية جميلة رائعة.
يقول أبو ياسر ما فحواه وما هيته التالي: (إلى كل إعلامي عمل في الإعلام رسالة ومسؤولية وواجباً، أقدم تجربة عشتها على مدى خمس وثلاثين سنة من عمري بين أروقة الإعلام المليئة بالنقائض الخير والشر، الصالح والطالح، الضار والنافع، ولا ينسى كل إعلامي أن أكثر الناس يغبطونه على ما هو عليه من شهرة وأضواء ومجد، وغاب عن البعض أن كل ساعة من عمل الإعلامي حبلى تلد كل عجيبة)، والحديث يصدق بعضه بعضاً ويدل كل قول فيه على قول، فإن قريحة الدكتور بدر بن أحمد كريّم قد ولَّدت هذه العصامية الإعلامية، والعجيبة الإعلامية التي جاءت في هذ الكتاب، وكتابه سندسي مخملي استبرقي أنيق أخذ بتلابيبي، واستحوذ على إعجابي لا سيّما حين علمت أن القادح لزناد الفكرة هو صاحب السمو الملكي، ولي عهدنا المبجل الأمير سلمان بن عبد العزيز - طيب الله أثره وثرياه -، فأما أبو ياسر في سياقه لهذه المعلومة فهي دالة تدل على أمانته العلمية البحثية يقول - حفظه الله -:
(يرجع الفضل في ظهور هذه التذكُّرات في كتاب، إلى.. رجل إنسان أحترمه كثيراً، منذ أن قابلته لأول مرة قبل أكثر من ربع قرن تقريباً، وما برح هذا الاحترام وسيظل قائماً يوم ذاك مكّنني أن يكون ضيفاً على أحد البرامج الإذاعية التي قدمتها (ضيف الليلة)، هذا الرجل الإنسان هو (سلمان بن عبد العزيز آل سعود) وأتعمَّد أن أذكر اسمه دون أن تسبقه كلمة (أمير) لاقتناعي بأن إنسانيته البحتة فوق الإمارة وفي خدمة الإنسان، فعندما نشرت هذه التذكُّرات بصحيفة (عكاظ) إبان شهر المحرم من عام 1422هـ (مارس 2001م) وما تلاه من شهور، قال لي ذات يوم اثنين من ذلك العام «اليوم الذي اعتاد أن يستقبل فيه زواره»: حبذا لو جمعتها في كتاب).
وأما منهجية الكتاب فهي لا تتسم بخط معين في الطرح والتناول، بل هي تسجيل لمعظم جوانب المترجم العلمية والتعليمية والعملية منذ اليوم الأول لالتحاقه بالعمل في الإذاعة السعودية المسموعة عام (1376هـ - 1957م)، إلى أن ألقى عصا الترحال عام (1418هـ - 1997م) مودعاً الإعلام الرسمي بقنواته الثلاث: الإذاعة، الرائي (التلفاز) وكالة الأنباء السعودية.
ولم يهتم المترجم - حفظه الله - بالترتيب الزمني المعيّن فبعض عناوين جزئيات الترجمة والذكريات هي نفسها حين نشرت في صحيفة (عكاظ) الرائدة.
والسؤال الذي بقي لنا هو: هل بقي من الذاكرة والذكريات شيءُ لم يقال ولم يذكر؟ والجواب جاء سريعاً، مسفراً عن وجه الصراحة، في قول المؤلف - حفظه الله -: (نعم هناك بعض أشياء لا أود البوح بها، وأفضل أن تُدفن معي في قبري، وهي بمثابة خطوط حمراء وضعتها لنفسي، إذ إنني على يقين بأنه ليس كل ما يُعلم يُقال، ولكن قلت ما يقرب من تسعين في المائة مما يصلح للنشر، أما الباقي فدعوه في مكامنه).
ومحطات الكتاب جميلة ووديعة، ومنها على سبيل التمثيل موقف علاَّمة الجزيرة وعلامتها حمد الجاسر من لغة الإعلامي البارز الدكتور بدر بن أحمد كريّم وهو في طور النشأة والفتوة، فعندما كثرت أخطاؤه اللغوية الفادحة، كتب علاَّمة الجزيرة مقالاً وصف الإذاعي بدر كريم بأنه عالة على اللغة العربية وطلب من الإذاعة أن تنحيه جانباً لأنه عليه رحمة الله وغفرانه - كما قال: (لا يتصدى لها إلا من يملك زمام اللغة العربية) فمن ثم فليس بوسع بدر كريّم أن يتصدر قائمة من يجب أن يكون قدوة حسنة لا قدوة سيئة، وأما أثر هذه المقالة نفسياً على الدكتور بدر بن أحمد كريّم فهو يتجلى لنا في قوله المؤثر: (وأعترف أن هجوم (حمد الجاسر) - رحمه الله - أحدث في نفسي شرخاً عميقاً إلى حد أنني بكيت بحرقة، إلا أنه نبّهني إلى أمر مهم هو: أن أسعى إلى رأب ما تصدع من مقوماتي الإذاعية وإلا فسأفقد وظيفتي، إن لم أتلاف هذا الخطأ القاتل، فتساءلت: ما هو الحل؟ فوجدته).
وأخيراً: فالكتاب جميل، غاية ووسيلة وهو يحكي قصة كفاح بلغت حد الأربعين عاماً أو ربما تجلتها: هو فتى عقول له لسان سؤول، يقول عنه الأستاذ الكبير محمد حسين زيدان: (كنت لا أستريح منه يوم كان مذيعاً مبتدئاً، إذ لا تكاد تمضي ليلة، إلا ويسأل عن كلمة، عن معنى صرفاً أو نحواً، وبهذا الكتاب - عزيزي القارئ - علَّمنا بطل هذا الكتاب (كيف تكون العصامية؟) فلله دره.