يتأثر الأطفال منذ أيامهم الحياتية الأولى بكل ما يحيط بهم، وتشير الدراسات التربوية والنفسية إلى أنّ الصور والرسوم المتحركة، والألعاب التي تبث عبر الشاشات الإلكترونية (التلفزيون، القنوات الفضائية، الكمبيوتر، الجوال، الآيباد، ... الخ) من أقوى المؤثرات على شخصية الأطفال، وهي قادرة على ترسيخ أفكارهم وتوجُّهاتهم وتصرُّفاتهم حاضراً ومستقبلاً.
واليوم يعاني الآباء والأمهات من سلوكيات غريبة في أطفالهم، لم يعهدوها في سنوات ماضية. صراخ بلا أسباب، وتكسير للألعاب، وتحطيم للأدوات المنزلية والشخصية، وحدّة في المزاج وسرعة في الانفعالات، تشابك بالأيدي لأتفه الأسباب، وسرعة في الانفعالات، وتشابك بالأيدي لأتفه الأسباب يصل إلى درجة إيذاء بعضهم بعضاً .. ونتساءل لماذا؟.
لقد أثبتت الدراسات بشتى أنواعها ومجالاتها، أنّ مشاهدة الأطفال لمشاهد العنف التي تبثّها الشاشات الإلكترونية، سواءً كانت كرتونية أو طبيعية تجرِّد الطفل من فطرته الطبيعية، وهي فطرة البراءة الطفولية، وتنمي فيه نوازع العنف بأشكاله المختلفة، وتعلّمه وسائله وطرقه، وتسهل عليه ممارسته. ثم تبدأ مظاهره الأولى في سلوكه مفتعلة، ثم تكون هذه المظاهر سلوكاً طبيعياً في تصرفاته.
ولأنّ هذه الشاشات انتشرت وأصبحت جزأً من حياة أطفالنا اليومية، وليس بمقدورنا عزلهم عنها، فإنه ينبغي على المهتمين بالمجالات التي تستخدم فيها هذه الشاشات، بذل الجهد في توظيفها فيما يتناسب وقيمنا الإسلامية وعاداتنا الاجتماعية، وأن تتكاتف الجهود من أجل إنتاج برامج ذات أبعاد تربوية بعيدة عن تأجيج مشاعر العنف وأساليبه في نفوس الأطفال، وأن تتضمّن هذه البرامج والأفلام والألعاب أهداف تربوية أخرى غير التسلية والمتعة، مثل: تنمية المهارات اللغوية (العربية والإنجليزية)، والمهارات الرياضية (الحسابية)، والمعلومات الثقافية وغيرها، كذلك تضمين ما تبثّه هذه الشاشات عدداً من التوجيهات اللازمة لتنشئة جيل صالح، مثل: التأكيد على أهمية الصلاة في وقتها، وطاعة الوالدين، وحب الوطن والانتماء إليه، وطاعة ولاة الأمر، وحب الخير للناس، وممارسة العادات الصحية السلمية. كما أنه ينبغي للجهات ذات العلاقة بما يبث في هذه الشاشات، أن يكون لها دور فاعل في مراقبة كل ما يدخل إلى أسواقنا السعودية من برامج تدعو أطفالنا إلى العنف الصريح أو حتى العنف المغلّف بأساليب أخرى، وفي إتلاف ومصادرة ما هو موجود في أماكن البيع المختلفة، وأخذ الغرامات وإيقاع العقوبات على كل من يسيء إلى أخلاق وسلوكيات أبنائنا وإلى وطننا وطن الإنسانية والسلام.
أخيراً: يبقى الدور الأكبر والأهم وهو دور البيوت ورياض الأطفال والمدارس، والتي يقع على عاتقها أمانة عظيمة، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}، في رعاية الأطفال وحمايتهم من شاشات العنف، التي إن لم نستشعر خطرها ونقاوم تأثيراتها، فإننا قد نقع في موجات عنف طفولية عفوية، تتحوّل إلى سلوكيات عنف شبابية، ثم تتجذّر لتصبح نوازع وعادات يومية، يعاني منها مجتمعنا الآمن.