كثيرٌ ممن نعرفهم بموتهم تدرس آثارهم، وعندما يغيبون عن الأعين تنتهي أمجادُهُم.. آلافٌ فقدناهم، بكيناهم، رثيناهم، وما لبثنا حتى نسيناهم!
لكن هذا الفقيد الذي نرثيه بهذه السطور هو الإنسان الذي تمكنت محبته من سويداء قلوبنا، أودعناه قبراً وحقيقة أودعنا جبل من الحكمة، والرحمة، والتواضع.. فحينما واريناه التراب، ظلت له في الأرض فضائل باقية، وصدقات جارية، ودعوات سارية.
رحل عمي «علي بن حسن بن قعود « جسداً وبقي سمو أخلاقه وحسن شمائله، ومكانته التي رسمها لنا في حياته وبعد موته.. تسعون عاماً من شموخ المبادئ وفرائد المكارم سطرها لنا هذا العظيمُ في نبله وإحسانه هو عمي ووالد الجميع الشيخ أبو إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته وجمعنا وإياه في مستقر رحمته يا رب العالمين.
فليت القوافي يا شيخنا الجليل الراحل تسعفني فأرثيك بما طاب من جميل الكلمات وأنصعها، أو ليتني أديب فأتغنى بذكر مآثرك وتعداد محاسنك، وتأمل نصاعة ماضيك، وغزارة علمك وصبرك ووفاؤك.
إنها سلسلة خصالٍ مشرقة أبصرها الأعمى وسمعها الأبكم.. فلمن حولك مواساة وعونا، ولذوي القربى كرماً وبذلا، فكم من فقيرٍ أظلته بمعروفك، وكم قريبٍ شملته بمالك ومدد له أيادي الجود والبذل والعطاء حتى غدوت يا شيخنا الجليل مضرب المثل ونبراس يسير على ضيائه الأبناء والأحفاد.. فلك من كل من ساعدته وعاضدت صادق الدعاء لك بالرحمة والمغفرة.
فالفقيد الشيخ علي يرحمه الله هو والد زوجتي ـ بل والدي-.. فكم أنت أيها الراحل مدرسةٌ في التواضع والتسامح، عَلَمٌ في التراحم والتكافل، أستاذُ في العفو والتسامح، سحابةُ جود لا ينتهي ماؤها، وفضاء خيرٍ لا يُنكَرُ عطاؤها.
أشبهك بالنخلةِ المثمرة.. تلك التي يهزها المحتاج فتساقط عليه رطباً جنياً، لقد هرم جسدُك في أواخر حياتك المليئة بالصبر والكفاح والصبر، وما زلت باسماً رضيا، على مدى أعوام ثلاثة حينما ابتليت بالمرض، فكنا لا نراك فيه أيها الإنسان الكبير والرائع إلا حامداً أو ذاكراً أو شاكرا،.. فكلُ من رائك أحبّكه ولا عجب، فأنت لكل الناس محب!!.
فمن حولك يا شيخنا شهود الله في أرضه حتى نلتقيك في مستقر رحمته ورضوانه.
فجنازتُك مشهودة ولله الحمد.. فالجموع الغفيرة حول قبرك ما بين داعٍ وباك، دفنوك لكنك باقٍ كالأفلاك، فانقضى أجلُك، وسيبقي ذكرك بحول الله سبحانه شامخا كالطود العظيم.. لقد تواضعت تواضعَ في شموخِ المستقيمِ، وواست كلَّ محتاجٍ عديمِ..
رحم الله تلك العظام التي أحسنت الظن بربها
اللهم إنا نستودعك الشيخ علي بن حسن القعود
وقد بات في قبره وحيدا.. اللهم أملأ قبره نوراً وحبوراً وسروراً.. اللهم اجعل أجمل أيامه يوم لقاك.. يا أرحم الراحمين.