ألا ليت قومي يتداركون! بعد أن علموا وأدركوا عصر هذه الإمكانات الهائلة والتطور التقني، والمتمثل بانتشار خدمة الإنترنت وصناعة أجهزة الاتصالات الذكية، على وجه التحديد، والتي ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا واقعين في براثنِ استخداماتها التي لا حصر لها.
هذه الأجهزة التي فرضت نفسها بجاذبيتها وأحجامها الصغيرة وتطبيقاتها المذهلة لتقدم للعالم إمكانات وخدمات هاتفية وحاسوبية بتوافقٍ وسهولةٍ عجيبة! معززةً عصر ثورة المعلومات الذي نعيشه والعالم بأسره. لقد أصبحنا أكثر إدراكاً من ذي قبل بأن العالم يصغر ليبدو لنا أصغر حجماً من قريةٍ صغيرةٍ كنا نشبهه بها. فما أن تقتني جهازًا ذكياً وتزوده بخدمة الإنترنت تجد أنك فتحت الباب على مصراعيه لهذا العالم للتواصل معه والتعرف عليه، لتعرفه ويعرفك، وتنهل من سواقيه المختلفة من شبكاتٍ علميةٍ وإعلاميةٍ واجتماعيةٍ ومهنية، بل وأكثر! وكأن العالم أصبح بكف يدك! لتأخذ منه ما تشاء وتقدم له ما تشاء! فأين نحن من هذا؟
ومما يبعث السرور في النفسِ توفر هذه الإمكانيات والتقنيات في مجتمعنا وانتشارها بشكل ملحوظ، ما أحدث نقلة تقنية في حياة الكثيرين منا بلا مبالغة، لنجد من لم يستخدم جهاز الحاسوب يوماً، يقوم بالكثير من مهامه، فقط من خلال جهازه الذكي! وليس هذا فحسب، بل تجده صار أكثر حرصاً لمعرفة كل جديد في هذه التقنية.
فهلا تداركنا أنفسنا وحالنا مع هذه التقنية؟
هلا تداركنا سوء استخدامنا لها، حتى صرنا نخشى مغبة سلبياتها علينا وعلى مجتمعاتنا وعاداتنا، لتجد منا من هو منهمكٌ بهاتفه منشغلاً عن رعيته ومقصراً بواجباته وشؤون حياته! فإن حدّث لم يُتم, وإن سكن لم ينم! ويكاد يُرفع عنه القلم من جنونه باستخدام هذه التقنية.
أقول لكأن العالم أصبح بكف يدك لتؤخذ منه ما تشاء وتقدم له ما تشاء!
فهلا أدركنا هذه النعمة التي نعيشها واستغللناها في تحقيق ذواتنا وأهدافنا وما يرضاه الله عنا! وألا نجعلها وسيلةً لفسادنا ودمارنا وضياع حياتنا! لعلنا مع هذا الصخب التقني -ونحن على مشارف عام هجري جديد- نكون أكثر حاجة من ذي قبل للخلوة مع النفس ومحاسبتها كما أننا في حاجة لاستشعار ذواتنا والتخطيط لحياتنا كي نتدارك أنفسنا فيما أدركناه من تقنية لتكون هذه النعمة حجة لنا لا علينا، والله نسأل أن يصلح حالنا.