(لا أبيح سراً إذا قلت لمواطني المملكة الأعزاء إنّ هموم المواطنين، خصوصاً فئة الشباب تحتل اليوم المساحة الأكبر والاهتمام الأكبر من لدن خادم الحرمين الشريفين، أيّده الله) هذا مقطع بعض من كلمة سمو لي العهد بمناسبة اليوم الوطني الثالث والثمانين، والتي يؤكد فيها أن خطط حكومة خادم الحرمين الشريفين تتركز على جيل الشباب والذين هم عماد نهضة وتنمية الأمم، وليس هناك مشاحة أنّ الشباب السعودي بحاجة لاحتواء أفضل، وأنّ ما تقوم به العديد من الجهات ليس بالمستوى المطلوب والمأمول لشريحة مهمة في البناء والتطوير، ناهيك أنها تمثل نسبة كبيرة من شريحة المجتمع تتجاوز 20% من إجمالي السكان. نعم هناك أكثر من 18 جهة حكومية ومختصة تهتم بأمور الشباب وفعاليتهم وبرامجهم وأنشطتهم، وأنها قائمة منذ فترة ليست بالقصيرة على رسم الإستراتيجية الوطنية للشباب وهو ما بشر به وزير التخطيط في مايو 2011م، غير أني كما غيري ألاحظ أن إحدى هذه الجهات تقوم بعمل دؤوب وذي فاعلية أكثر، تتنقل به في مناطق شتى وتشمل به شرائح متعددة ويقبل عليه الكثير من فئة الشباب بدافعية ورغبة ملحوظة برغم تكرار الحدث.. إذاً هناك منتج وعليه إقبال، وهناك تخطيط وله تنفيذ، ولاشك أن هناك رؤية ولها تفعيل.
أن تستطيع جهة ما التواصل مع أكثر من عشرة آلاف شاب سنوياً وتوجيه طاقاتهم وتلبية رغباتهم وسد حوائجهم الجسمية والعقلية والنفسية والروحية والاجتماعية ، أن تستطيع أن تنمي عضويتها وتنشر قيمها وترفع اسم وطنها بهمم أفرادها من الشباب ، أن تستطيع أن تطور برامجها وتسوق فعاليتها وتنفذ مناشطها في معظم مناطق ومحافظات الوطن محتوية كل الشرائح والمراحل السنية ، أن تستطيع أن تشارك بفاعلية وليست برمزية في التجمعات الشبابية العالمية والمنظمات المجتمعية بهمم شبابها، وبتعدُّد وتنوُّع المشاركين، وليس باقتصار المشاركة على شباب من منطقة دون أخرى أو تكرار لأسماء وبكثافة عددية يوجد فاعلية في المشاركة، أن تستطيع أن تحتوي كل الطاقات في كافة المجالات المهنية والمعرفية والتقسيمات العلمية والمجتمعية والممارسات التعليمية والمهنية والترفيهية والخدمية، أن يقبل عليه الشباب إذاً هو لامس الاحتياجات، وأن يتقبّله إذاً هو يماشي العصر، وأن يرتبط به فهو يدرك فائدته وتنميته له، حينها لابد من دراسة هذا الأنموذج بصورة أعم وأشمل وأن يتم الفائدة من الفكرة لديه والسعي لتطويرها ومن الخطة والعمل على توسعها، ومن الآلية ومحاولة بلورتها على الشاب السعودي بصورة أكبر.
جمعية الكشافة العربية السعودية هي الأنموذج الذي أتحدث عنه، وهي إحدى الجمعيات الوطنية التي أخذت على عاتقها تربية النشء ورعاية الفتى وصقل الشاب، وأقامت شراكة حقيقية معه وربطته بمجتمعه وقدمته أنموذجاً عن وطنه في الداخل، يرسم أبهى وأجمل صورة، من خلال تقديم الخدمة والمشاركة في التنمية والزهو والفرح برابط عشق خاص، حيث تجد هذا الشاب متسابقاً مع أقرانه في المجال التطوعي من خلال معسكرات خدمة الحجاج، فيرسم اللوحة الجميلة عن وطنه في أطهر بقعة ومكان، وبوجود أكبر تجمع تشهده البشرية، فيعطي الانطباع الحسن عن سلوك الشاب السعودي بل ويتقدم مجتمعه السعودي تطوعاً في الترحيب بالحجيج في جميع منافذ ومطارات المملكة شباب هممهم عالية وابتسامتهم دائمة وعملهم دؤوب، إذاً أليس هذا الأنموذج جديراً بالنظر والتأمُّل خاصة ونحن نسمع أن قوام كثير من التجمعات العالمية كالبطولات العالمية والأولمبياد مناطها الأساس على التطوع.
وتسمع عنه في جولات شبابية لا تقل أي واحدة منها عن ألفي شاب للتنمية وحماية البيئة في مناطق ومحافظات الوطن، يزرعون الشتلات ويرفعون النفايات يقيمون الندوات ويسعون لتغيير السلوك لحماية البيئة وعدم المساس بها، ليس في مركز تجمعهم السنوي فحسب، والذي يمازجون ويبادلون به بين المناطق والمحاضن التعليمية والتربوية والتجمعات الشبابية، بل بالتنوع والتعدد في مواقع تجمعهم فتجول المشروع في الرياض وجيزان والجبيل ليس في وسط بنيانها، بل في منتزهاتها وعلى ضفاف شواطئها، أوليس هذا الربط الرائع بين المجال الخدمي والاجتماعي للشباب مع وطنهم جديراً ببلورة أفضل وأعم وأشمل.
وتجدهم في كل المناطق في مهرجانات اليوم الوطني يرسمون الفرحة في أبهى صورها بما لا يقل عن ثلاثة آلاف شاب سنوياً بمشروعهم الرائد (أنا الوطن )، فيشاركون مجتمعهم ويشركون أصدقاءهم معهم من دول العالم هذه الفرحة، باستضافتهم وتعريفهم بالنهضة الشاملة والتاريخ المجيد للوطن، فيجوبون بهم البلاد ويطلعونهم على صور نهضتنا، تنقّلوا كشباب يافعين في الدرعية ونجران وثول والجوف والباحة، ويقيمون الاحتفالية الرائعة للشباب خالية من الممارسات السلبية والتجمهرات الفوضوية، بل ويتعدى ذلك للممارسات النافعة المجتمعية كطلاء البيوت وصيانة المنازل ..الخ ، وهو مشروع رائد حري بصاحب قرار أكبر التأمُّل في آلية تنفيذه والسعي لتعميميه بصورة أشمل.
ربما تعتبر تلك أبرز الفعاليات والتجمعات الشبابية السنوية لجمعية الكشافة السعودية على المستوى المحلي والتي ربما من أساس ما يميزها، أن الشباب هم أساس الفكرة والتخطيط والتنفيذ بل والتقييم للحدث، من أجل طرحه بصورة أفضل مرة أخرى، وهو ما سمح بتكراره وتضخم الإقبال عليه، مما أجزم أنه محل حرج لجمعية الكشافة لعدم استطاعتها احتضان العدد الكبير المؤمل والراغب في المشاركة والمساندة.
أما على المستوى العالمي فليس هناك أبلغ من مشروع خادم الحرمين الشريفين رسل السلام، والذي يقدمه الشباب السعودي لكل أنحاء العالم، يستهدفون به حوالي عشرة ملايين شاب لينضم إليهم ما يقارب مائتي مليون شخص في جميع أنحاء العالم، من أجل نشر فكرة خادم الحرمين الشريفين الإيمان بثقافة الحوار وأهمية نشر السلام، يتم ذلك من خلال إعداد شبكة عالمية من رسل السلام، كل ذلك وفق تخطيط دقيق وخطوات محسوبة تثبت نتائجها الإحصاءات والأرقام والتفاعل والإقبال.
ما يمكن تأطيره هنا أن الحاجة ماسة لإنشاء وزارة خاصة بالشباب تعني بهم، تضع الخطط المناسبة لمرحلتهم السنية وتصمم البرامج لكافة رغباتهم المتعددة والمتنوعة، وتلتقي بهم في كافة المناطق والمحافظات وتلبي احتياجهم، وهو هدف تحرص حكومة خادم الحرمين الشريفين على تحقيقه لجيل الشباب من أبناء الوطن .. فأرى أن هناك أنموذجا قائما يمكن الفائدة من آلية عمله وتقسيمات هيكله ورؤية خطته ومجالات تطبيقاته الدينية والوطنية والبيئية والاجتماعية والعلمية والعقلية والتقنية والصحية والرياضية، وليس اختزال الشاب في مجال واحد فقط .. وكذلك الفائدة من البنية التحتية والمتمثلة في التواجد والتشكيل البشري في كافة المدن والمحافظات والمناطق .. والفائدة التمازج مع وزارة التربية والتعليم ومن التواصل الرائع مع وزارة التعليم العالي، والتي يتواجد فيها أساس المرحلة الشبابية وهو الطالب في المرحلة الجامعية، والتي تمازج فيها الطالب الجامعي مع النشاط الكشفي لأنه وجد ذاته ولحق بأقرانه من شباب العالم في المشاركة الاجتماعية والعمل المنظم والخدمة المجتمعية.
أنموذج جمعية الكشافة العربية السعودية جدير بالطرح بصورة أكبر للشباب السعودي، والفائدة من آلية العمل فيه والتواصل مع جيل الشباب وهو المهم، وليس التفكير بفكر عاجي وبيروقراطية يمقتها الشاب، تتواصل فيها الخبرة وتندمج فيها المراحل السنية وتذوب فيها الألقاب .. لتكن جولة لكل صاحب قرار حيث مناشطهم يجد فيهم روح العمل الدؤوب والابتسامة الجادة والرغبة الأكيدة لخدمة، وطن وتنمية مجتمع وتقديم خدمة لائقة .. تجولوا معهم في مناطق الوطن حيثما يجتمعون ستجدون كل الفوارق والأفكار السلبية ذابت.. وهو ما آمله من الجمعية الكشفية أن تستقطب حين تنفذ فعالياتها أقطاب الرأي وقادة الفكر وأصحاب القرار، من خلف المكاتب الفخمة المغلقة إلى ميادين التجمعات الشبابية والفعاليات المجتمعية، كي يعيش الجميع مع الشباب ويتخذ القرار لصالحهم عن كثب ويبلوره وسط معايشه، كي نحافظ جميعاً على كنز من كنوز البناء وركيزة أساسية من ركائز العطاء وهم الشباب، كما سطّر ذلك سمو ولي العهد - حفظه الله - وتتبنّاه حكومة خادم الحرمين الشريفين.