لم أبدأ بقراءة مقال الأستاذ محمد المنشور بالحياة بعنوان” كي لا تفقد مدننا هويتها” حتى أسرعت لكتابة هذا المقال قبل أن أتم المقال المذكور.
سأتحدث عن الرياض معقل الروح ومدينة القلب، الرياض التي لا أملك إلا أن أشتاقها وأفتقدها بكل عناصرها إن ما غادرتها ولو لأيام معدودة ، يسبقني شوقي وذكرياتي إلى أمكنتها التي أرتادها، أهلها الطيبين وتلك اللكنة النجدية التي أطرب لها، الرياض التي يمتزج حاضرها بتراثها من خلال مشاريع عديدة قامت بها هيئة تطوير مدينة الرياض وهيئة السياحة والآثار وجهات أخرى، ومواطنوها الذين أصروا أن يحافظوا على روح أجدادهم من خلال بعض اللمسات التراثية التي احتفظوا بها سواء في منازلهم أو مزارعهم واستراحاتهم.
سأتحدث عن الرياض باعتبارها الشاهد في مقال الزميل المزيني ، فالرياض التي تعانق نخلاتها روح عروبتنا تأبى إلا أن تكون النخلة رمزها الأبدي، والدرعية المنطقة التاريخية بكل أشيائها وأركانها تسر الزائرين من داخل المملكة أو أولئك قاصديها في مناسبات مختلفة.
رغم المشاريع التي تأخرت والشوارع المزدحمة حد الاختناق، وعشوائية البناء أحيانا، وبعض المباني المتهالكة التي قد نجدها في الأحياء المشهورة، وعدم وجود مصفات خاصة بالمحال وبعض المنشآت المهمة، إلا أن الرياض تتحفك بما بدأت وذكرت وبما أنجز من جسور وشوارع واسعة، ومولات منتشرة في أحيائها وشوارع تحمل طابع شوارع أوروبية ، ومقاهٍ متميزة .
الرياض لا تشبهها مدينة، ولا نريد أن تكون كتلك المدن التي ارتدت ثوبا لا يمت لها، مدن فقدت هويتها كاملة بحجة التطور والتمدن ومنافسة الغرب فارتدت وجها مزورا بمساحيق صاخبة ضيع ملامحها الأصيلة.
على مسافة قريبة من شوارع العاصمة الرياض ومبانيها الحديثة إن قدت سيارتك بضع كيلو مترات سترى استراحاتها وبيوت الشعر ومراعي الجمال ثم المحافظات الصغيرة التي تستقبلك بنمط تاريخي وشواهد اتخذت من قصر المصمك أنموذجا لحديث يعانق ماضي المكان.
في الرياض تتنفس الصحراء والحدائق الغناء والسماء التي يمكنها أن تدهشك بدمع غيماتها، كي لا تختنق بمدن خرسانية لا ملامح لها ولا نوافذ.
لا بحر في الرياض لكنك على أهبة لامتطاء ليل صحرائها هربا من هجير النهار ، أو أن تحمل دلة القهوة وتقصد منتزها تفترش عشبه وعيناك مد البصر لتلك العائلات التي خرجت من الجدران الأسمنتية وملت المولات تنشد بعض الهواء والعشب والشجر ورفقة الأحبة .
في الرياض المتحف الوطني وقصر المصمك ودارة أبي البلاد وما يحيط بهم من أماكن هي بوصلة الحياة ونبض ماضينا.
* * *
ما أحلى أيامك يا جدتي
ما زالت صورتها أطال الله عمرها في مخيلتي حين كانت تصر العملات النقدية وتضعها في صرة صغيرة ويكفيها أن تشعر بالأمان وهي تحملها حيث ذهبت .
اليوم ونحن في عصر التقنية وأساليب الحياة العصرية والمباني الضخمة للبنوك والمصارف التي تنتشر في كل مكان إلا أن المكائن الآلية المسيرة بالتقنية تخذلك مرارا وقت السحب أو الإيداع وكأنها تصر أن تعطيك تلك العبارة التي تكره ترديدها “ عذراً هذه الآلة معطلة مؤقتا يمكنك أن تقصد أي فرع آخر”.
فقد صدمت قبل شهر حين حاولت إيداع مبلغ في إحدى الصرافات وقد تعطلت عن العمل خلال عملية الإيداع وأخذت المبلغ دون أن تضيفه للرصيد وابتدى المشوار، مشواري مع محاولة استرداد المبلغ والاتصال بالهاتف المصرفي وزيارة الفرع الموجود به الآلة التي سحبت المبلغ.
وإلى وقت نشر هذا المقال لم يضاف المبلغ لرصيدي.
لا أظن أن هذه القصة يمكن أن تمر بسهولة إن فرضت عقوبات وغرامة على الجهة المتسببة بالضرر ، ناهيك عن سهولة رد المبلغ لك وسرعة الإجراءات ، لا تغفل الجهة أن تعوضك ماليا عما تكبدت به .
الله يرحم حقيبة جدتي التي تحملها أينما ذهبت وفلوسها بصحبتها، بلا تقنية بلا صرافات آلية.